للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويشمل أيضا ما يصيب الأمم من نحو الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير وما أشبه ذلك من الابتلاءات التي لا يقتصر أثرها على فرد دون آخر أو جماعة دون سواها، وقد أشار المولى عز وجل إلى سبب هذا النوع من الابتلاء بقوله: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «١» ، وقوله سبحانه: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ «٢» .

ومن أسباب ظهور هذا الابتلاء الذي قد يتمثل في فساد المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، ما يقترفه الناس من المعاصي وما يرتكبونه من الآثام، يقول الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «٣» . جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن المعنى: ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عن الناس الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا «٤» ، وقيل: المعنى أن الله يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه لهم ومجازاة على صنيعهم لعلهم يرجعون عن المعاصي «٥» .

وقد حذرنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من موجبات هذا النوع من الابتلاء فيما يرويه عنه عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- حيث قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوجهه فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم» «٦» .

[ثالثا: مظاهر الابتلاء:]

١- الابتلاء بالضراء أو الشر:

وهو الذي يراد بالابتلاء أو الفتنة عند الإطلاق، وقد تخفى حكمة هذا النوع على الكثيرين، إذ قد يراد به اختبار الصدق في الإيمان، والصبر على الجهاد في سبيل الله «٧» ، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «٨» ، وقال سبحانه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ


(١) الأنفال/ ٥١- ٥٣.
(٢) هود/ ١١٧.
(٣) الروم/ ٤١.
(٤) تفسير القرطبي (١٤/ ٤١) .
(٥) تفسير ابن كثير (٣/ ٤٤٥) .
(٦) ابن ماجة (٤٠١٩) ، وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به، ورواه أيضا الحاكم في المستدرك (٤/ ٥٤٠) ، وقال صحيح، ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١٣٢١) ، وانظر صفات: الفحش- الزنا- التطفيف.
(٧) انظر صفات: الشكر، الحمد.
(٨) محمد/ ٣١.