للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمكّة بين الصّفا والمروة، فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان ينفّرون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد، فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر «١» طويل الشّعر، قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله. فقال لي: مالك تنظر إليّ، فقلت له:

شبهتك برجل رأيته بمكّة، ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال:

ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس، فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «٢» .

٢٠-* (قال محمّد بن الحسين: «دخلت على محمّد بن مقاتل، فقلت له: عظني، فقال: اعمل فإن متّ لم تعد أبدا. وانظر إلى الذّاهبين هل عادوا؟

تذهب أيّامنا على لعب ... منّا بها والذّنوب تزداد

أين أحبابنا وبهجتهم؟ ... بطيب أيّام عيشهم بادوا) * «٣» .

٢١-* (قال بعض الحكماء: من نظر إلى الدّنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة» ) * «٤» .

٢٢-* (قال الشّاعر:

اعتبر يا أيّها المغ ... رور بالعمر المديد

أنا شدّاد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد

وأخو القوّة والبأ ... ساء والملك الحشيد

دان أهل الأرض طرّا ... لي من خوف الوعيد

وملكت الشّرق والغر ... ب بسلطان شديد

فأتى هود وكنّا ... في ضلال قبل هود

فدعانا لو قبلنا ... هـ إلى الأمر الرّشيد

فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد

فأتتنا صحيحة ته ... وي من الأفق البعيد

فتوافينا كزرع ... وسط بيداء «٥» حصيد) * «٦»

[من فوائد (الاعتبار)]

(١) كثرة التّفكّر والاعتبار تقوّي الإيمان بالله عزّ وجلّ.

(٢) توسّع مدارك المؤمن وتدلّه على آيات الله تعالى.

(٣) تكسب المؤمن خوفا من الله عزّ وجلّ ومهابة من عقابه.

(٤) تجعله يعرف الدّنيا أنّها ظلّ زائل وأنّ الآخرة هي دار القرار.

(٥) يقنع المؤمن بما رزقه الله عمّا في أيدي النّاس.

(٦) يعيش المؤمن بسعادة واطمئنان.


(١) حاسر: مكشوف الرأس.
(٢) إحياء علوم الدين (٣/ ٣٤٣) .
(٣) برد الأكباد عند فقد الأولاد (٦٨) .
(٤) تفسير ابن كثير (مج ١، ج ٤، ص ٤٣٩) .
(٥) بيداء: صحراء واسعة.
(٦) زاد المسير لابن الجوزي (٩/ ١١٦- ١١٧) .