للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الضّلالة، وأن يهديه إلى الطّريق، والعدّة والقوّة والسّلاح الّتي بها تحصل له السّلامة من قطّاع الطّريق وآفاتها.

فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتّباع الدّليل. والاعتصام بالله يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح، والمادّة الّتي يستلئم بها في طريقه. ولهذا اختلفت عبارات السّلف في الاعتصام بحبل الله، بعد إشارتهم كلّهم إلى هذا المعنى.

فقال ابن عبّاس: تمسّكوا بدين الله.

وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال: «عليكم بالجماعة، فإنّها حبل الله الّذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة خير ممّا تحبّون في الفرقة»

وقال مجاهد وعطاء «بعهد الله» وقال قتادة والسّدّيّ وكثير من أهل التّفسير: «هو القرآن» .

وقال مقاتل: بأمر الله وطاعته، ولا تفرّقوا كما تفرّقت اليهود والنّصارى.

قال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقبا لأمره.

ويريد بمراقبة الأمر: القيام بالطّاعة لأجل أنّ الله أمر بها وأحبّها، لا لمجرّد العادة، أو لعلّة باعثة «١» سوى امتثال الأمر، كما قال طلق بن حبيب في التّقوى: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.

فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل، والله أعلم.

وأمّا الاعتصام به: فهو التّوكّل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإنّ ثمرة الاعتصام به: هو الدّفع عن العبد، والله يدافع عن الّذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كلّ سبب يفضي «٢» به إلى العطب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشّبهات والشّهوات، وكيد عدوّه الظّاهر والباطن، وشرّ نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشّرّ بعد انعقادها، بحسب قوّة الاعتصام به وتمكّنه، فتفقد في حقّه أسباب العطب، فيدفع عنه موجباتها ومسبّباتها. «٣»

قال الشّيخ أحمد شاكر في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا: أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرّق، وقد وردت الأحاديث المتعدّدة بالنّهي عن التّفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف، وقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنّة ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الألفة- الاجتماع- التعاون على البر والتقوى- التعارف.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: التفرق- التفريط والإفراط- التنازع- الضعف- الوهن] .


(١) باعثة: دافعة.
(٢) يفضي: أي يصل به.
(٣) مدارج السالكين (١/ ٤٩٥، ٤٩٧) .
(٤) عمدة التفسير لأحمد شاكر (٣/ ١٦) .