للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «١» .

فالبلايا والمحن محك يكشف عما في القلوب وتظهر به مكنونات الصدور، ينتفي بها الزيف والرياء، وتنكشف الحقيقة بكل جلاء.. تطهير لا يبقى معه زيف ولا دخل، وتصحيح لا يبقى فيه غبش ولا خلل، إن الشدائد والنوازل تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات. وتتفتح بها في القلوب منافذ ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا حين تعرض للابتلاء، وعند الحوادث يتميز الغبش من الصفاء والهلع من الصبر، والثقة من القنوط «٢» .

فالابتلاء قد يقتضي في بعض أشكاله أن يكون بالمصيبة وبما تكره النفوس «٣» ، وتحمّل المؤمن مصائب الامتحان الإلهي بصبر وصدق مع الله ورضا بقضائه وقدره؛ هو من أفضل أعماله الصالحة، التي يكتب الله له بها أجرا عظيما وثوابا جزيلا. قال الله تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «٤» ، إن هذه الضراء ليست هي خاتمة المطاف، وسرعان ما تنقشع وتزول، يقول الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً «٥» . فهذه مصائب امتحان، وهي في سبيل الله، وتحملها والصبر عليها من صالحات الأعمال «٦» .

هـ- الردع والتحذير من الغرور:

إنّ العقوبة العاجلة على ما اقترفه الإنسان أو الجماعة أو الأمة من معاص تقتضي حكمة المولى- عز وجل- أن تعجل عقوبتها حيث إن فيها ردعا وتحذيرا وعبرة، لهم ولغيرهم من الأفراد والجماعات، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «٧» . وقوله عز من قائل: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «٨» ، وقال سبحانه: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ «٩» .


(١) آل عمران/ ١٤٠- ١٤٢.
(٢) توجيهات وذكرى، للشيخ الدكتور صالح بن حميد، ص ٢٤٠- ٢٤٠ (بتصرف) .
(٣) انظر صفات: الصبر والمصابرة، ومجاهدة النفس.
(٤) التوبة/ ١٢٠- ١٢١.
(٥) الشرح/ ٥- ٦.
(٦) الأخلاق الإسلامية للميداني ٢/ ٤٨٠- ٤٨١.
(٧) الأعراف/ ١٦٣.
(٨) الأعراف/ ١٦٥.
(٩) الأنعام/ ١١.