للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنّميمة والبهت «١» ، وقول الزّور، وكلّ كلام خبيث.

وكذلك لا يألف من الأعمال إلّا أطيبها، وهي الأعمال الّتي اجتمعت على حسنها الفطر السّليمة مع الشّرائع النّبويّة، وزكّتها العقول الصّحيحة، فاتّفق على حسنها الشّرع والعقل والفطرة، مثل أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبّب إليه جهده وطاقته، ويحسن إلى خلقه ما استطاع، فيفعل بهم ما يحبّ أن يفعلوا به، ويعاملوه به، ويدعهم ممّا يحبّ أن يدعوه منه، وينصحهم بما ينصح به نفسه، ويحكم لهم بما يحبّ أن يحكم له به، ويحمل أذاهم ولا يحمّلهم أذاه، ويكفّ عن أعراضهم، ولا يقابلهم بما نالوا من

عرضه، وإذا رأى لهم حسنا أذاعه، وإذا رأى لهم سيّئا كتمه، ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما لا يبطل شريعة، ولا يناقض لله أمرا ولا نهيا.

وله أيضا من الأخلاق أطيبها وأزكاها، كالحلم، والوقار، والسّكينة، والرّحمة، والصّبر، والوفاء، وسهولة الجانب، ولين العريكة»

، والصّدق، وسلامة الصّدر من الغلّ والغشّ والحقد والحسد، والتّواضع، وخفض الجناح لأهل الإيمان، والعزّة والغلظة على أعداء الله، وصيانة الوجه عن بذله وتذلّله لغير الله، والعفّة، والشّجاعة، والسّخاء، والمروءة، وكلّ خلق اتّفقت على حسنه الشّرائع والفطر والعقول.

وكذلك لا يختار من المطاعم إلّا أطيبها، وهو الحلال الهنيء المريء الّذي يغذّي البدن والرّوح أحسن تغذية، مع سلامة العبد من تبعته.

وكذلك لا يختار من المناكح إلّا أطيبها وأزكاها، ومن الرّائحة إلّا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعشراء إلّا الطّيّبين منهم، فروحه طيّب، وبدنه طيّب، وخلقه طيّب، وعمله طيّب، وكلامه طيّب، ومطعمه طيّب، ومشربه طيّب، وملبسه طيّب، ومنكحه طيّب، ومدخله طيّب، ومخرجه طيّب، ومنقلبه طيّب، ومثواه «٣» كلّه طيّب. فهذا ممّن قال الله تعالى فيه: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل/ ٣٢) ومن الّذين يقول لهم خزنة الجنّة:

سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (الزمر/ ٧٣) وهذه الفاء تقتضي السّببيّة، أي: بسبب طيبكم ادخلوها. وقال تعالى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ (النور/ ٢٦) وقد فسّرت الآية بأنّ الكلمات الخبيثات للخبيثين، والكلمات الطّيّبات للطّيّبين، وفسّرت بأنّ النّساء الطّيّبات للرّجال الطّيّبين، والنّساء الخبيثات للرّجال الخبيثين. وهي تعمّ ذلك وغيره، فالكلمات، والأعمال، والنّساء الطّيّبات لمناسبها من الطّيّبين، والكلمات، والأعمال، والنّساء الخبيثات لمناسبها من الخبيثين، فالله- سبحانه وتعالى- جعل الطّيّب


(١) البهت: من بهت الرجل يبهته إذا قال عليه ما لم يفعله.
(٢) العريكة: الطبيعة. وليّن العريكة: أي سلس..
(٣) مثواه: المثوى المنزل.