للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفيد في ظنّه، بل يجب عليه عليه الأمر والنّهي لا القبول، وكما قال الله عزّ وجلّ: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ (المائدة/ ٩٩) ومثّل العلماء هذا بمن يرى إنسانا في الحمّام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك، قال العلماء: لا يشترط في الآمر والنّاهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الأمر، وإن كان مخلّا بما يأمر به، والنّاهي وإن كان متلبّسا بما ينهى عنه، فإنّه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلّ بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر. قال العلماء:

ولا يختصّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بأصحاب الولايات؛ بل ذلك جائز لآحاد المسلمين.

قال إمام الحرمين: والدّليل عليه إجماع المسلمين، فإنّ غير الولاة في الصّدر الأوّل، والعصر الّذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إيّاهم وترك توبيخهم على التّشاغل بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من غير ولاية. ثمّ إنّه إنّما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشّيء، فإن كان من الواجبات الظّاهرة والمحرّمات المشهورة كالصّلاة والصّيام والزّنا والخمر ونحوها، فكلّ المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وممّا يتعلّق بالاجتهاد لم يكن للعوامّ مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء، ثمّ العلماء إنّما ينكرون ما أجمع عليه، أمّا المختلف فيه فلا إنكار فيه «١» .

[القطب الأعظم في الدين:]

قال الإمام أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابتعث الله له النّبيّين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطّلت النّبوّة، واضمحلّت الدّيانة، وعمّت الفترة «٢» ، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلّا يوم التّناد، وقد كان الّذي خفنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلّيّة حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل النّاس في اتّباع الهوى والشّهوات استرسال البهائم، وعزّ «٣» على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فمن سعى في تلافي هذه الفترة، وسدّ هذه الثّلمة إمّا متكفّلا بعملها أو متقلّدا لتفنيدها مجدّدا لهذه السّنّة الدّاثرة ناهضا بأعبائها ومتشمّرا في إحيائها كان مستأثرا من بين الخلق بإحياء سنّة أفضى الزّمان إلى إماتتها، ومستبدّا بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- الإنذار- التبليغ- التذكير- التعاون على البر والتقوى- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الغي والإغواء- الفسوق- التهاون] .


(١) صحيح مسلم بشرح النووي (٢/ ٢٣) .
(٢) الفترة: هي السكون بعد الحدّة، والهدوء بعد الشّدّة.
(٣) عزّ: قلّ.
(٤) إحياء علوم الدين للغزالي (٢/ ٣٠٦) .