للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإمكانات التي تؤهله لنقل ما ينويه إلى حيز التطبيق «١» وهنا تنبثق جملة حقائق ذات قيمة في التوجيه التربوي.

فهي أولا: ترتفع بقيمة الإنسان، حين تجعله أهلا لاحتمال تبعة اتجاهه، وتمنحه حرية الاختيار (في إطار المشيئة الإلهية التي شاءت له هذه الحرية فيما يختار) فالحرية والتبعة يضعان هذا الكائن في مكان كريم، ويقرران له في هذا الوجود منزلة عالية تليق بالخليقة التي نفخ الله فيها من روحه وسواها بيده، وفضلها على كثير من العالمين.

وهي ثانيا: تلقي على هذا الكائن تبعة مصيره، وتجعل أمره بين يديه (في إطار المشيئة الكبرى كما أسلفنا) فتثير في حسه كل مشاعر اليقظة والتحرج والتقوى. وهو يعلم أن قدر الله فيه يتحقق من خلال تصرفه هو بنفسه:

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ «٢» . وهي تبعة ثقيلة لا يغفل صاحبها ولا يغفو!

وهي ثالثا: تشعر هذا الإنسان بالحاجة الدائمة للرجوع إلى الموازين الإلهية الثابتة، ليظل على يقين أن هواه لم يخدعه، ولم يضلله، كي لا يقوده الهوى إلى المهلكة، ولا يحق عليه قدر الله فيمن يجعل إلهه هواه، وبذلك يظل قريبا من الله، يهتدي بهديه، ويستضيء بالنور الذي أمده به في متاهات الطريق! ومن ثم فلا نهاية لما يملك هذا الإنسان أن يصل إليه من تزكية النفوس وتطهيرها ويتطهر في هذا العباب الذي يتدفق حوله من ينابيع الوجود «٣» .

٥- تدريب القوى العقلية وتنشيطها للقيام بمهامها على الوجه الأكمل:

ويتمثل ذلك فيما يلي:-

أ- اليقظة:

إن صدمة الابتلاء- خاصة بالضراء- هي بمثابة صيحة النذير لقوم نيام تنبههم من سبات نوم الغفلة، وسكرة أحلام اليقظة، يقول الله تعالى واصفا أولئك الذين غرقوا في مجر الغفلة لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ «٤» ، وهذه اليقظة «٥» هي- كما يقول ابن القيم- أول منازل العبودية، وتعنى انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة وما أعظم قدرها، وما أقوى إعانتها على السلوك، ومن اليقظة ينتقل الإنسان إلى منزلة العزم (وهو العقد الجازم على الشيء) ، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده «٦» ، وبحسب استعداده يكون تذكره.

ب- التفكر والتأمل والاعتبار:

إذا ابتلى الإنسان واستيقظ بدأ مرحلة التفكر والتأمل وإعمال الخاطر في تجربة الابتلاء، ورددها قلبه معتبرا، يقول ابن القيم- رحمه الله-: «أصل الخير والشر من قبل التفكر، لأن الفكر مبدأ الإرادة والطلب وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد (ما يتعلق بالآخرة) وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدنيا، وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدنيا،


(١) أسعد السحمراني، الأخلاق والفلسفة القديمة، ص ٢٦.
(٢) الرعد/ ١١.
(٣) في ظلال القرآن (٦/ ٣٩١٨) .
(٤) الحجر/ ٧٢.
(٥) انظر صفة اليقظة.
(٦) مدارج السالكين ١/ ١٣٨- ١٣٩ (بتصرف) .