للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الخوف المحمود يقترن بالرجاء كما في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً «١» ، وعن أنس- رضي الله عنه- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على شاب وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟» . قال والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف» «٢» . وقد وعد الله الخائفين بالجنة فقال: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى «٣» .

ج- الخشوع:

والمراد به: قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل «٤» ، قال ابن القيم: والحق أنه يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار «٥» . وهذا الخشوع يأتي عند ذكر الله تعالى، يقول المولى سبحانه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ «٦» ، ويقول جل من قائل: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «٧» . ومن هذه الآيات الكريمة نستنبط أمرين مهمين: الأول: أن الخشوع في الصلاة هو أول صفات المؤمنين، الثاني: أن ثمرته هو الفلاح، وأن أصحابه من الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ «٨» .

د- الرجاء:

والمراد به النظر إلى سعة رحمة الله تعالى «٩» والثقة بجوده وفضله وكرمه، يقول ابن حجر:

المقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله، ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقعت منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور، وما أحسن قول القائل: من علامة السعادة أن تطيع، وتخاف ألا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصى وترجو أن تنجو «١٠» . إن رجاء الله واليوم الآخر هو سمة المؤمنين المتأسين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً «١١» .

هـ- التقوى:

المراد بالتقوى هنا تقوى القلب الواردة في قوله تعالى: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ «١٢» ، أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى في القلب «١٣» . ولهذا قال عليه الصلاة


(١) الإسراء/ ٥٧.
(٢) الترمذي (٩٨٣) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (٤٢٦١) وقال النووي: إسناده حسن. وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (٣٤٣٦) وهو في الصحيحة (١٠٥١) .
(٣) النازعات/ ٤٠- ٤١.
(٤) انظر صفة الخشوع.
(٥) مدارج السالكين (١/ ٥٥٨) .
(٦) الحديد/ ١٦.
(٧) المؤمنون/ ١- ٢.
(٨) المؤمنون/ ١١.
(٩) انظر صفة الرجاء.
(١٠) انظر فتح الباري (١١/ ٣٠١) .
(١١) الأحزاب/ ٢١.
(١٢) الحج/ ٣٢.
(١٣) تفسير القرطبي (١٢/ ٥٦) .