للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان المطلق مستلزم للأعمال:]

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الإيمان المطلق مستلزم للأعمال بدليل قوله تعالى: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (السجدة/ ١٥) ، فنفى الإيمان عن غير هؤلاء، فمن كان إذا ذكّر بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله عليه من السّجود لم يكن من المؤمنين، ومثل هذه الآية قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (الأنفال/ ٢) ، وقوله عزّ من قائل:

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (المجادلة/ ٢٢) ، وقوله سبحانه وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ (المائدة/ ٨١) ، وقد بيّن سبحانه في هذه الآيات أنّ الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة، ومن أضداده موادّة من حادّ الله ورسوله، ومن هذا الباب قوله صلّى الله عليه وسلّم:

«لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن» «١» ، وقوله عليه الصّلاة والسّلام «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» «٢» وأشباه هذا كثير «٣» .

[الإيمان المقترن بالإسلام أو العمل الصالح يحتمل وجوها عديدة:]

إذا قرن الإيمان بالإسلام أو بالعمل الصّالح فإنّه قد يراد به ما في القلب من الإيمان (أي التّصديق الجازم) ، ولكن هل يراد به أيضا المعطوف «٤» ، ويكون من باب عطف الخاصّ على العامّ؟ أو لا يكون داخلا فيه وإنّما لازم له؟ أو لا يكون هذا ولا ذاك؟ للنّاس في ذلك ثلاثة أقوال «٥» ، ثمّ خلص إلى القول بأنّ لأئمّة السّنّة في تفسير الإيمان أقوالا كلّها صحيح، فمنهم من يقول: هو قول وعمل. ومنهم من يقول: هو قول وعمل ونيّة. ومنهم من يقول: هو قول وعمل ونيّة واتّباع للسّنّة، ومنهم من يقول هو قول باللّسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فالّذين يقولون هو قول وعمل، فإنّه يدخل في القول «٦» قول القلب واللّسان جميعا، وفي العمل عمل القلب والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أنّ لفظ القول لا يفهم منه إلّا القول الظّاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونيّة قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللّسان، وأمّا العمل فقد لا يفهم منه النّيّة فزاد ذلك، ومن زاد اتّباع السّنّة فلأنّ ذلك كلّه لا يكون محبوبا لله إلّا باتّباع السّنّة، وأولئك لم يريدوا كلّ قول وكلّ عمل، وإنّما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ومقصودهم الرّدّ على المرجئة الّذين جعلوه قولا فقط، وأمّا الّذين جعلوه أربعة أقسام (قول، وعمل، ونيّة، واتّباع للسّنّة) ففسّروا مرادهم بما قاله سهل بن عبد الله التّستريّ عند ما سئل: ما الإيمان؟


(١) انظر الحديث رقم (٧٨) .
(٢) انظر الحديث رقم (٨٤) وفيه «لا يدخل الجنة» بدلا من «لا يؤمن» . ولعلها رواية أخرى وقف عليها شيخ الإسلام.
(٣) باختصار وتصرف يسير عن الفتاوى ٧/ ١٦٠- ١٦١.
(٤) الفتاوى ٧/ ١٦٢، وقد وقع فيه- خطأ- المعطوف عليه بدلا من المعطوف.
(٥) أي ذهب بعضهم إلى أن المعطوف جزء من الإيمان، وبعضهم إلى أنه لازم له، وبعضهم إلى أنه مغاير له.
(٦) انظر في مسمى القول والكلام: صفة الكلم الطيب.