للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن تيميّة-: هي وجه من الوجوه الّتي يتفاضل فيها النّاس فيما يتعلّق بزيادة الإيمان ونقصه، يقول- رحمه الله تعالى-: من المعلوم بالذّوق الّذي يجده كلّ مؤمن أنّ النّاس يتفاضلون في حبّ الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتّوكّل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرّياء والكبر والعجب والرّحمة للخلق والنّصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانيّة «١» ، ومصداق هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «٢» .

[الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقي:]

إنّه لمّا كانت الأخلاق من الإيمان بهذه المثابة، كان الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقيّ «٣» بمعنى أنّ الإيمان له قوّته الإيجابيّة الّتي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأنّ القوّة الإيمانيّة تترك بصماتها على اتّجاهات السّلوك الإنسانيّ، ولا سيّما في مجال العلاقات الإنسانيّة «٤» ، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال/ ٢- ٤) . لقد نصّت هذه الآيات على خمس صفات للمؤمن الحقّ، وهذه الخمس- كما يقول ابن تيميّة تتضمّن ما عداها، فإنّه سبحانه ذكر وجل القلوب إذا ذكر الله، وزيادة الإيمان إذا تليت الآيات، مع التّوكّل على الله، وإقام الصّلاة، والإنفاق، فكان هذا مستلزما للباقي، لأنّ وجل القلب عند ذكر الله يقتضي خشيته والخوف منه «٥» ، وإذا كان وجل القلب من ذكر الله يتضمّن خشيته ومخافته، فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور وترك المحظور «٦» ، وقد استخلص من ذلك بعض الباحثين أنّ الالتزام الخلقيّ النّاتج عن الإيمان تكون له دوما مصادره أو روافده الّتي تذكيه وتزيد من عمقه وثباته سواء في مجال الإقدام على الخير، أو في مجال الابتعاد عن الشّرّ، وكلاهما لازم للآخر حسبما تقضي بذلك طبيعة الإيمان «٧» .

(للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الاتباع الاستقامة- الإحسان- الإخلاص- الأمانة- بر الولدين- البر- التقوى- التوحيد- الدعوة إلى الله- الصدق- الصلاح- العبادة- الطاعة- اليقين.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- الشرك- الإلحاد- الضلال- العصيان- الإعراض- الزندقة- النفاق- الفسوق- الرياء- الغي والإغواء- الردة- الفجور] .


(١) انظر الأخلاق الإيمانية في مواطنها من هذه الموسوعة.
(٢) بتصرف واختصار عن الفتاوى ٧ (٥٦٤) ، وانظر الحديث رقم ٣٥ في هذه الصفة.
(٣) ذهب بعضهم إلى أن الذوق أو الوجدان هو مصدر هذا الإلزام، وذهب فريق آخر إلى أنه العقل، وفريق ثالث إلى أنه الضمير، وفريق رابع إلى أنه العرف. انظر هذه الآراء تفصيلا في «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ص ١١١.
(٤) النظرية الخلقية عند ابن تيمية ص ٩٤.
(٥) الفتاوى (٧/ ١٩) .
(٦) المرجع السابق (٧/ ٢٠) .
(٧) النظرية الخلقية عند ابن تيمية ص ٩٤.