للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويترتب على هذا الرضا أن يقذف الله في قلبه السكينة والطمأنينة «١» . وربما كان ما تكرهه نفسه هو عين الكرامة في حقه وهو وسيلته المستقبلية للحصول على أعلى الدرجات، يقول الله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «٢» . ومن هنا تتجلى حكم التوكل والاحتساب والاستخارة «٣» .

في أمور العبد، فإن العبد قاصر عن إدراك ما ينفعه في دينه ودنياه ولذلك شرعت الاستخارة وتفويض الأمر إلى الله.

[ثانيا: تعامل المسلم المبتلى بالسراء:]

إذا ابتلى الله المسلم بالسراء وأنعم عليه بالصحة في بدنه، والسعة في رزقه، ومكّن له في الأرض، وأعطاه من الجاه أو العلم أو السلطان ما يسر به خاطره، فعليه أن يتصرف في هذا الموقف تبعا للخطوات الآتية:

١- الخطوة الأولى: اليقين الجازم بأن هذه الدنيا وما فيها عرض زائل،

وأن الرّجعى إلى الله- عز وجل- ومن ثم فلا ينبغي أن ينسيه هذا المال أو الجاه ذكر الله- عز وجل- وافتقاره إليه يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «٤» ، وعليه أن يعلم بأن هذا اليقين هو أساس الإيمان الصادق، وأنه منه (أي اليقين من الإيمان) بمنزلة الروح من الجسد، وقد ورد في الأثر عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أن اليقين هو الإيمان كله «٥» .

٢- الخطوة الثانية: أن يحمد الله سبحانه ويشكره على ما أنعم به عليه،

قال تعالى وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «٦» ، وهذا الشكر ترجع فائدته للإنسان نفسه يقول الله سبحانه: وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ «٧» ، «٨» .

٣- الخطوة الثالثة: أداء حق الله تعالى في هذا المال،

ويتمثل ذلك في إخراج الزكاة، والصدقة والبر وبر الوالدين والإنفاق والإحسان إلى الفقراء والمساكين وتفريج الكربات، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ «٩» ، وفائدة هذا الإحسان إنما تعود للإنسان نفسه، مصداق ذلك قول الله تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «١٠» ، وقد قرن الله- عز وجل- الإسلام بالإحسان، وجعلهما أفضل ما يتحلى به المسلم فقال عز من قائل: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ «١١» ، وقال أيضا: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى «١٢» ، «١٣» .

وقال عز وجل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ «١٤» . وقد ورد في الحديث: «إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع عباده يقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم» «١٥» .

(أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا) ، وعن ابن عباس مرفوعا: «ما من عبد أنعم الله عليه نعمة وأسبغها عليه ثم


(١) انظر صفات: الرضا والسكينة والطمأنينة.
(٢) البقرة/ ٢١٦.
(٣) انظر صفة التوكل والاحتساب والاستخارة والسخط.
(٤) فاطر/ ١٥.
(٥) انظر صفة اليقين، وخاصة الأثر رقم ٢ (ج ٨ ص ٣٧٢٨) .
(٦) إبراهيم/ ٧.
(٧) النمل/ ٤٠.
(٨) انظر صفات: الحمد، الشكر، الذكر.
(٩) القصص/ ٧٧.
(١٠) الإسراء/ ٧.
(١١) النساء/ ١٢٥.
(١٢) لقمان/ ٢٢.
(١٣) انظر صفات الزكاة والصدقة والإنفاق والبر وغيرها من صفات تنطوي تحت لواء الإحسان، وقد أوضحنا هناك أن الإحسان يشمل أمرين: العبادات والمعاملات، واللفظ على إطلاقه يحتمل الأمرين جميعا.
(١٤) النمل/ ٨٩.
(١٥) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٩١) ، وقال: أخرجه الطبراني وابن أبي الدنيا، ولقد قيل بتحسين سنده.