للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» ، وعليه أيضا بالذكر فإنه من موجبات الرحمة وغفران الذنوب، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ «٢» .

٥- الثقة برحمة الله تعالى وسعة عفوه:

لقد كتب الله على نفسه الرحمة بقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ «٣» ، وهو سبحانه يغفر الذنوب جميعا مصداق ذلك قوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «٤» ، وقال سبحانه: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «٥» . ويذكرنا ربنا بهذه الرحمة الواسعة في كل صلاة، بل في كل ركعة مرتين: الأولى في البسملة «٦» ، والثانية في قوله سبحانه: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «٧» .

٦- جهاد الشيطان واتخاذه عدوّا:

على المسلم بعد إقلاعه عن الذنب وتوبته واستغفاره أن يحصن مواقعه حتى لا يخترقها عدوه اللدود وهو الشيطان، قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً «٨» وقال عز من قائل: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا «٩» ، وقال سبحانه: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ «١٠» ، وعليه أن يعلم بأن هذا العدو اللعين يتخذ من الحيل والأساليب ما يجعله يرتدي ثياب الصديق، فيبذل الكثير من الوعود الكاذبة والأماني الخادعة، ويدعو أصحابه ليكونوا من أصحاب السعير، ثم لا يغني عنهم فتيلا عند ما يقضي الحق بين العباد، يقول الله تعالى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «١١» .

يقول ابن القيم- رحمه الله- علّم الله سبحانه عباده كيفية هذه الحرب وذلك الجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «١٢» ، قال: والمرابطة هنا لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل منه العدو، ولزوم ثغر العين والأذن واللسان والبطن واليد والرجل، وعلى المسلم ألّا يخلي هذه الثغور فيصادف الشيطان منها ثغرا خاليا فيدخل منه، وهؤلاء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الخلق بعد النبيين والمرسلين وأعظمهم حماية وحراسة من الشيطان قد أخلوا المكان الذي أمروا بلزومه يوم أحد «١٣»


(١) النور/ ٢٢.
(٢) آل عمران/ ١٣٥.
(٣) الأنعام/ ٥٤.
(٤) الزمر/ ٥٣.
(٥) يوسف/ ٨٧.
(٦) ويكون ذلك أيضا في جميع سور القرآن.
(٧) الفاتحة/ ٣.
(٨) الإسراء/ ٥٣.
(٩) فاطر/ ٦.
(١٠) يس/ ٦٠- ٦١.
(١١) إبراهيم/ ٢٢.
(١٢) آل عمران/ ٢٠٠.
(١٣) يشير ابن القيم بذلك إلى موقف الرماة في غزوة أحد (انظر في ذلك قسم السيرة ص ٣٠٠) .