للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلقة والصّورة عن الاعتدال يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال. هذا إذا خلّيت النّفس وطبيعتها.

وفراسة المتفرّس تتعلّق بثلاثة أشياء: بعينه، وأذنه، وقلبه، فعينه للسّيماء والعلامات، وأذنه: للكلام وتصريحه وتعريضه، ومنطوقه ومفهومه، وقلبه للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيّه، فيعبر إلى ما وراء ظاهره، وهو في ذلك كالصّير فيّ ينظر للجوهر من ظاهر السّكّة والنّقد فيعرف الصّحيح من الزّائف.

[البصيرة تنجم عن الفكرة:]

الفكرة هي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد استعدّ له مجملا، ولمّا يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت الفكرة أوجبت البصيرة، إذ هي نور في القلب يبصر به الوعد، والجنّة والنّار، وما أعدّ الله في هذه لأوليائه؛ لأنّ البصيرة نور يقذفه الله في قلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرّسل فيتحقّق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرّسل وتضرّره بمخالفتهم؛ وهذا معنى قول العارفين «البصيرة» تحقّق الانتفاع بالشّيء والتّضرّر به، والبصيرة ما خلّصك من الحيرة إمّا بإيمان أو بعيان «١» .

[الفرق بين الفراسة (البصيرة) والظن:]

الفرق بين الفراسة والظّنّ أنّ الظّنّ يخطىء ويصيب وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير منه وأخبر أنّ بعضه إثم «٢» .

وأمّا الفراسة فقد أثنى الله على أهلها ومدحهم، وهي لا تحدث إلّا لقلب قد تطهّر وتصفّى وتنزّه من الأدناس وقرب من الله تعالى فأصبح صاحبه ينظر بنور الله الّذي جعله في قلبه، ذلك لأنّ القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السّوء المانعة من معرفة الحقّ وإدراكه، وكان تلقّيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه، وأضاء الله له النّور بقدر قربه فرأى في ذلك النّور ما لم يره البعيد والمحجوب وصار قلبه كالمرآة الصّافية تبدو فيها صور الحقائق على ما هي عليه فلا تكاد تخطىء له فراسة.

[بين الفراسة والغيب:]

ليست الفراسة من علم الغيب بل علّام الغيوب قذف الحقّ في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس الّتي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه، وإذا غلب على القلب النّور فاض على الأركان وبادر من القلب إلى العين فكشف بعين بصره بحسب ذلك النّور «٣» .

[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التأمل- التبين (التثبت) - التدبر- حسن الظن- التفكر- التقوى.

اليقين.

وفي ضد ذلك: نظر صفات: البلادة والغباء- سوء الظن- الشك- الطيش- الغفلة- الوسوسة- الوهم] .


(١) مدارج السالكين لابن القيم (٢/ ٥٠٣- ٥٠٥) بتصرف.
(٢) انظر صفة: الظن، الشك.
(٣) الروح لابن القيم ص ٢١٥.