للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيّارة «١» . فضلا «٢» يتّبعون «٣» مجالس الذّكر. فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم. وحفّ «٤» بعضهم بعضا بأجنحتهم. حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال فيسألهم الله عزّ وجلّ، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟

فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك ويكبّرونك ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: وما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنّتك.

قال: وهل رأوا جنّتي؟ قالوا: لا أي ربّ. قال:

فكيف لو رأوا جنّتي؟ قالوا: ويستجيرونك «٥» .

قال: وممّ يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا ربّ. قال:

وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟

قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم.

فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم ممّا استجاروا. قال فيقولون: ربّ، فيهم فلان. عبد خطّاء «٦» . إنّما مرّ فجلس معهم. قال فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «٧» .

٧-* (عن صفيّة بنت حييّ زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوره- وهو معتكف في العشر الغوابر من رمضان- فتحدّثت عنده ساعة من العشاء، ثمّ قامت تنقلب، فقام معها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقلبها حتّى إذا بلغت باب المسجد الّذي عند مسكن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ بهما رجلان من الأنصار فسلّما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نفذا، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّما هي صفيّة بنت حييّ» .

قالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما ما قال.

قال: «إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما» ) * «٨» .

٨-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل زمرة تلج الجنّة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوّطون، آنيتهم فيها الذّهب،


(١) سيارة: معناه: سياحون في الأرض.
(٢) فضلا: ضبطوه على أوجه، أرجحها وأشهرها: فضلا. والثانية: فضلا ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة: فضلا. قال القاضي: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم. والرابعة: فضل على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة: فضلاء. قال العلماء: معناه على جميع الروايات، أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر.
(٣) يتبعون: أي يتتبعون، من التتبع، وهو البحث عن الشيء والتفتيش، والوجه الثاني: يبتغون من الابتغاء، وهو الطلب، وكلاهما صحيح.
(٤) وحف: هكذا هو في كثير من النسخ، حف، وفي بعضها: حض أي حث على الحضور والاستماع. وحكى القاضي عن بعض رواتهم: وحط، واختاره القاضي. قال: ومعناه أشار إلى بعض بالنزول، ويؤيد هذه الرواية قوله بعده، في البخاري: هلموا إلى حاجتكم، ويؤيد الرواية الأولى، وهي حف، قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم.
(٥) ويستجيرونك من نارك: أي يطلبون الأمان منها.
(٦) خطّاء: أي كثير الخطايا.
(٧) البخاري- الفتح ١١ (٦٤٠٨) ، ومسلم (٢٦٨٩) واللفظ له.
(٨) البخاري- الفتح ١٠ (٦٢١٩) .