للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣- إن هذه المفاهيم ناتجة عن عقلية وضعية خاصة، ومن ثم لا تكاد تفي بفهم القيم الإسلامية نظرا لأن الرؤية الإسلامية تلتزم بالتصورات الإسلامية الأساسية، وهى منبثقة من دلالات النص القرآني الكريم، والنص النبوي الصحيح، ولأن وصف الفعل الإنساني والحكم عليه إنما يصدر عنهما بعد النظر فيهما لاستجلاء الأحكام التى تشتمل عليها هذه النصوص، فى إطار هدف محدد وهو استجلاء «المراد الإلهى فى تحديد أفعال الإنسان دون أن يكون له أي مدخل فى الإضافة الذاتية بما يؤثر على ذلك المراد بالزيادة أو النقصان أو التغيير» «١» .

والأمر إذا: ليس خاضعا للوضعية العقلية الذاتية المحضة، وإن كان لها اعتبارها الخاص فى فهم النص وتنزيله.

٤- إن هذه المفاهيم تختلف عن الرؤية الإسلامية والنهج الإسلامي الذى يرى أن أعمال الإنسان ليست هدفا فى حد ذاتها، بل ترتبط بالله وتتجه نحو مرضاته، وإن لم يتحقق من هذا العمل أو ذاك نفع مباشر أو مصلحة عاجلة، أو لذة آنيّة. لأن الله تعالى هو وحده المتفرد بخلق الإنسان، ولهذا فهو متفرد بكمال العمل بما خلق فى طبيعته وقدراته ونوازعه وحاجاته، وبناء على ذلك فهو متفرد بوضع منهاج الحياة له على الوجه الذى يكون فيه خيره، وسعادته وترقيه فى كافة شئون حياته الفردية والاجتماعية، وبذلك يكون الأساس والمعيار الأوحد فيما يأتى الإنسان ويذر فكرا أو سلوكا هو ميزان البيان الإلهى، ائتمارا بما أمر الله، وانتهاء عما نهى عنه «٢» .

٥- إن هذه المفاهيم لا تعبر عن المقاصد الكلية للحياة، وإنما تعطى الإنسان ضابطا للحياة الدنيا وعلاقتها، ولذلك ارتبط بعضها بتحقيق السعادة للإنسان على وجه الأرض فى الحياة الدنيا فى حين أنه من المسلم به فى المنهج الإسلامي وجود حياة آخرة فيها ثواب وعقاب على ما يأتى الإنسان ويدع وما يختار.

وانطلاقا من هذا، وتجنبا للثغرات التي وجدت في التعريفات السابقة فإنه يمكن تعريف «القيم» من المنظور الإسلامي بأن نقول:

القيم الإسلامية: مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله، كما صورها الإسلام، وتتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الحياتية المختلفة، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته تتفق مع إمكانياته، وتتجسد من خلال الاهتمامات أو السلوك العملي بطريقة مباشرة وغير مباشرة «٣» . وبحكم هذا التعريف تجىء عدة محددات أساسية على النحو الآتى:

١- أن حياة الإنسان تحكمها أهداف محددة، وهناك وسائل لبلوغها، ولا بد من الانتفاع بتلك الأهداف


(١) عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص ٨٢.
(٢) المرجع السابق، ص ٣١.
(٣) علي خليل مصطفى، القيم الإسلامية والتربية ص ٣٤.