للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التفكر)

٥-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) «١» اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك.

ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال:

«ما أنا بقارئ» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد «٢» . ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» .

قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ ١- ٣) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف «٣» فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني.

فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم «٤» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرءا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «٥» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «٦» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «٧» .

٦-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال: «لا والله ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله


(١) قوله «وهو التعبد» تفسير من الراوي؛ لأن المعنى ترك الحنث أي المعصية ومن ترك المعصية دخل في الطاعة.
(٢) الجهد: بالفتح يعني المشقة وبالضم يعني الوسع والطاقة.
(٣) يرجف: أي يضطرب من شدة الخوف.
(٤) تكسب المعدوم، قيل تكسب المال الذي لا يستطيع أحد كسبه وكانت العرب تمتدح بذلك، وقيل تكسب بالبناء للمجهول أي تجعل الشخص الضعيف يكسب المال.
(٥) يا ليتني فيها جذعا: أي أكون في سن الشباب وجذعا خبر أكون المحذوفة مع اسمها. وقيل: النصب على الحال والجذع- بفتحتين- هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الإسلام شابّا قويّا ليكون أمكن لنصره.
(٦) لم ينشب: أي لم يلبث.
(٧) البخاري- الفتح ١ (٣) ، ومسلم (١٦٠) واللفظ له.