للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن تلك الوسطية التي تتميز بها القيم الإسلامية، تعد عملية انتقائية، إلا أنها توفيق دقيق جدا بين الوحي وإمكانات الإنسان الأرضية، وهو ضروري لأنه يولد لدى الإنسان حيوية الاختيار والانتقاء للالتزام بها «١» ، مما يتيح في النهاية عملا يتسم بالصدق في المظهر والمخبر، بخلاف عملية التلفيق التي لا تحمل دلالة نفسية على تقوى أو صلاح «٢» .

وهذه الوسطية تستلزم التفهم الكامل الواعي لموضوعات القيم، لأنها تستلزم الاختيار ولا اختيار بدون وعي، أي أنها تتعلم، فالإنسان لا يولد مزودا بها، ولكن لديه الاستعداد ومن ثم تنشأ وتتكون لديه من الخبرات والمواقف التي يعيشها الإنسان.

ح- أنها ترتبط بالجزاءات الدنيوية والأخروية، ولذا أوجد الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ولكن هناك هدف آخر أسمى وراء الالتزام بعد الاختيار القائم على وعي كامل، لما جاء به الشرع وأمر بالالتزام به، ذلك الهدف هو إرضاء الله تعالى، ويأتي الجزاء بعد ذلك والذي لا يحرم منه الملتزم.

ط- أنها تقوم على أساس الضبط والتوجيه والتنمية والتربية، ولذا فإن أهداف التربية في أي مجتمع إنما تشتق من هذه القيم التي تهتم بجوانب الإنسان المختلفة وبصورة متكاملة، فسلطان القيم منبسط على كافة وجوه النشاط الإنساني كلها، لا يشذ عنها عمل تربوي ولا يتفاوت في حكمه نشاط بدني أو عقلي أو فني أو أدبي أو روحي «٣» .

[تصنيف القيم الإسلامية:]

في ضوء ما سبق سنعرض تصنيفا للقيم الإسلامية على النحو التالي:

١- من حيث الإطلاق والنسبية: ويوجد هنا مستويان:

الأول: القيم المطلقة: وترتبط بالأصول، وهي قيم ثابتة ومطلقة ومستمرة لا تتغير بتغير الزمان والأحوال، ولا مجال للاجتهاد فيها إلا الفهم والوعي، ومن ثم يجب على المسلم أن يتقبلها ويسلم بها ويعمل بمقتضاها، وهذه ترتد إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة.

الثاني: القيم النسبية: وترتبط بما لم يرد فيه نص، أو تشريع صريح وهي تخضع للاجتهاد الذي لا يتعارض مع نص صريح، ومعنى نسبيتها أنها متغيرة بتغير المواقف عبر الزمان والمكان، وتحتاج إلى اجتهاد جمعي لإقرارها.

٢- من حيث تحقيق المصلحة: وهي تتعلق بحفظ الكليات الخمس وهي:


(١) محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص ١٢٦.
(٢) جابر قميحة، المدخل إلى القيم الإسلامية، القاهرة، دار الكتاب المصري، د. ت، ص ٧٨.
(٣) محمد عبد الله دراز، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، الكويت، دار القلم، ١٤٠٠ هـ- ١٩٨٠ م، ص ١٢٣، ١٢٤.