للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (التين/ ٤) «١» . والأكل باليدين والعمل بهما، وذلك لا يستطيعه غالب الحيوان.

وتكريم الله للإنسان بهدايته هداية عامّة بما جعل فيه بالفطرة، من المعرفة وأسباب العلم.. ففي كلّ أحد ما يقتضي معرفته بالحقّ ومحبّته له، وقد هداه ربّه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصّل بها إلى سعادة الدّنيا والآخرة، وجعل في فطرته محبّة لذلك مصداق ذلك قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ (الرحمن/ ٣- ٤) ، وقوله تعالى وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (البلد/ ١٠) (والنّجدان هما الخير والشّرّ) «٢» .

٤- ومنحه العقل والنّطق والتّمييز (لأنّ الإنسان يمكنه أن يعرّف غيره كلّ ما عرفه) بخلاف سائر الحيوان، كما قال عزّ وجلّ الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ (الرحمن/ ١- ٤) . وبهذا تمكّن الإنسان من معرفة الخطّ (الكتابة) إذ به يقدر الإنسان على إيداع العلوم الّتي استنبطها هو أو غيره الدّفاتر فتبقى على وجه الأرض مصونة من الاندراس، محفوظة عن الانطماس، مصداق ذلك قوله سبحانه اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (العلق/ ٣، ٤) . وبذلك كرّم الله الإنسان بهذه الفطرة الّتي تجمع بين الطّين والنّفخة. وكرّمه بالاستعدادات الّتي أودعها فطرته فاستأهل بها الخلافة في الأرض.

تكريم الله للإنسان بتسخير ما في السماء والأرض:

٥- بعد أن خلق الله الإنسان أكرمه بالنّعم العظيمة الّتي لا تعدّ ولا تحصى لقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها (إبراهيم/ ٣٤) ، ومن هذه النّعم تسخير ما في السّماء الأرض ليرزقه بها، وهو القائل: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (الأنبياء/ ١٦) ، وقد سأل الله عزّ وجلّ الإنسان عن ذلك بقوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (فاطر/ ٣) «٣» ، وقوله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (يونس/ ٣١) . ومن هذه النّعم إنزال الله الماء من السّماء وخلق منه كلّ شيء حيّ لقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء/ ٣٠) ، وقوله تعالى:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ (الزمر/ ٢١) ، وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (البقرة/ ٢٢) .

لقد سخّر الله عزّ وجلّ للإنسان- تكريما له- ملكوت السّموات بما تشتمل عليه من نجوم وشموس وأقمار وجعل في نظامها البديع ما ينفع الإنسان من تعاقب اللّيل والنّهار واختلاف في الفصول ودرجات الحرارة ونحو ذلك، قال تعالى:

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (النحل/ ١٢) ، وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الجاثية/ ١٣) . والمراد بهذا التّسخير هو تمكين الله- عزّ وجلّ- الإنسان من أن يستخدم


(١) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بتصرف واختصار) ، مجلد (١٥/ ٦٢- ٦٤) .
(٢) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية ١٤/ ٢٩٥، وفي تفسير النجدين، تفسير ابن كثير ٤/ ٥٤٧.
(٣) السؤال هنا سؤال إنكاري بمعنى النفي. والمعنى: لا خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض.