للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة/ ٧٢) .

[ثانيا: تكريم الإنسان لنفسه:]

أ- بالعلم والمعرفة:

١- إنّ الإنسان إذا علم أنّه مكرّم من الله عزّ وجلّ، وأنّ من تكريم الله له قربه منه ومعيّته له فإنّ أبسط مظاهر تكريمه لنفسه أن يعمل عقله وقلبه وجوارحه بأن يتفكّر ويتأمّل ويتدبّر في ملكوت الله عزّ وجلّ ونعمه الّتي لا تعدّ ولا تحصى، فمتى ما تعلّم المرء كيف يقرأ باسم ربّه الكريم كرّم فكره وقلبه بمعرفة الله عزّ وجلّ- في كلّ شيء يراه، قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر/ ٩) .

ومتى ما أقبل الإنسان بفكره وقلبه على الله بإخلاص ونيّة حسنة أقبل الله عليه وزاده نورا على نور وهداه إلى سبل الخير والتّقوى وفقّهه في الدّين، مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» «١» . فالإنسان يكرّم نفسه بالعلم والمعرفة حتّى يكون أهلا لتكريم الله له، ومن يفعل ذلك وهو مؤمن بالله فيقدّم عملا فكريّا أو ثقافيّا، أو اكتشافا علميّا يثري به الحياة، يلق من النّاس التّكريم والثّناء العطر ومن الله عزّ وجلّ عظيم الجزاء في الدّنيا والآخرة.

ب- تكريم الإنسان نفسه بالعبادة والطاعة:

من تكريم الإنسان نفسه أن يزكّيها بالعبادة ويطهّرها بالطّاعة، وذلك دون تطرّف أو غلوّ، ذلك أنّ التّيسير والرّفق بالنّفس من الأمور الّتي دعانا إليها القرآن وحثّنا على اتّباعها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم فقال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ...

(النساء/ ١٧١) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق» «٢» ، وإذا فعلنا ذلك كنّا أهلا لمعيّة الله عزّ وجلّ، ويكون ذلك بالتّقوى والإحسان والصّبر وغيرها من مظاهر الطّاعة، وهذه المعيّة تجعل الإنسان موقنا بأنّ الله عزّ وجلّ رقيب عليه مطّلع على سرّه وعلانيته ومن ثمّ فعليه العمل بموجب ذلك أي بغاية الإخلاص والحياء والخوف والخشية وأن يعبد الله بأقواله وأفعاله كأنّه يراه، وإذا علم أنّ معيّة النّصر والتّأييد لا تكون إلّا للرّسل وأهل الإيمان، فلا شكّ أنّ من تكريمه لنفسه أن يجعلها من أهل هذا الإيمان، ولمّا كانت هذه المعيّة الإيمانيّة تتأكدّ من خلال التّوفيق والمحبّة وأنّ لها شروطها الّتي اقترنت بها، فإنّ الإنسان (المسلم) لابدّ أن يكرّم نفسه بأن يجعلها ممّن تنطبق عليه شروط هذه المعيّة من التّقوى والصّبر والإحسان.

أمّا التّقوى وهي الصّفة الأولى الّتي اقترنت بها المعّيّة فالمراد بها العبادة مطلقا، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: «واسم التّقوى» إذا أفرد دخل فيه فعل كلّ مأمور به وترك كلّ محظور، ونقل عن ابن حبيب قوله: «التّقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عذاب الله» «٣» .

فالتّقوى الّتي تقتضي المعيّة هنا تشمل الطّاعات بأسرها وأنواع العبادة بكاملها من صلاة وصوم وحجّ وغيرها، وقوله على نور من الله تقتضي التّبصّر والتّفكّر والتّدبّر، وهذا يؤدّي إلى العلم والحكمة والمعرفة، أمّا


(١) البخاري- الفتح ١ (٧١) ، وانظر صفة الفقه.
(٢) انظر هذا الحديث وغيره في صفة «الغلو» ، وقارن أيضا بصفة «الرفق» .
(٣) مجموع الفتاوى (٧/ ١٦٣) .