للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجاء رحمة الله فإنّه يشمل الرّجاء والرّغبة فيما عند الله عزّ وجلّ.

وإذا انتقلنا إلى الصّفة الثّانية الّتي اقترنت بالمعيّة فهي الصّبر والصّبر يشمل: صبر على الطّاعة وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله «١» .

وأمّا الصّفة الثّالثة الّتي نصّ القرآن على اقترانها بالمعيّة فهي الإحسان، وركنه هو أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك والإحسان بمعناه الشّامل الّذي يتضمّن إحسان العمل مثل الفضل، وكظم الغيظ والإنفاق في سبيل الله، والتّصدّق والزّكاة ونحوها، والإخلاص التّامّ في كلّ ذلك «٢» . من أعمال البرّ والتّقوى، فكلّها أعمال يقوم بها الإنسان ابتغاء الحسنات من الله- عزّ وجلّ- ومرضاته تعالى.

أمّا أجلّ مظاهر تكريم الإنسان لنفسه فهو جعلها أهلا لحبّ الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ويكون ذلك بالإيمان بالله أوّلا، ثمّ باتّباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم ثانيا، ثمّ بالاستمرار في هذه الأمور الثّلاثة: التّقوى والإحسان والصّبر من ناحية، والعدل والقسط والتّطهّر والتّوكّل والتّوبة والجهاد «٣» من ناحية ثانية، أمّا الأمر الثّالث الّذي يكرّم الإنسان به نفسه ويجعلها أهلا للمعيّة والقرب من الله عزّ وجلّ فهو الذّكر والدّعاء ونحوهما من الاستغفار والاستعانة والحمد والشّكر والثّناء، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد/ ٢٨) ، ولا يوجد أعظم من هذه الطّمأنينة، وتلك السّكينة اللّتين تمثّلان غاية السّعادة الإنسانيّة، وقد كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم خير من يقتدى به في هذا المجال حيث كان يصبح ذاكرا ويظلّ ذاكرا حتّى يمسي، وكان بذلك الذّكر في معيّة مولاه.

ج- تكريم الإنسان نفسه بالحفظ والصيانة والتزكية:

على الإنسان الّذي يكرّم نفسه أن يحفظ هذه النّفس الّتي حرّمها الله تعالى بالعفّة والتّطهّر، وأن يصونها عن كلّ ما يدنّسها أو يشينها من الموبقات المهلكة مثل الزّنا واللّواط والخمر والميسر، ونحو ذلك ممّا يذلّ النّفس وينتقص من كرامتها وعزّتها، ناهيك عمّا يؤذي الجسد والعقل من المخدّرات وما في حكمها، إنّ الإنسان بذلك يجعل نفسه في فريق السّعداء في الدّنيا والآخرة. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ «٤» مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ ٩- ١٠) ، المعنى كما يقول ابن تيميّة- رحمه الله-: «قد أفلح من كبّرها وأعلاها بالطّاعة، وخسر من أخفاها وحقّرها وصغّرها بمعصية الله- عزّ وجلّ-، فالطّاعة والبرّ تكبر النّفس وتعزّها وتعليها حتّى تصير أشرف شيء وأكبره، وأزكاه وأعلاه، ويكون ذلك بالإيمان بآيات الله وسننه الكونيّة وآياته العلميّة، فبالتّفكّر والتّدبّر لهذه الآيات، وبالفهم والتّعقّل لآيات القرآن تزكو النّفس وتسمو وتعلو على مدارج هذه الكمالات حتّى تكون مع الأبرار «٥» ، وقد صدق الله العظيم إذ قال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي


(١) انظر صفة الصبر في هذه الموسوعة.
(٢) انظر صفة الإحسان في هذه الموسوعة، وقارن بما ذكره الشيخ الغزالي في كتابه «المحاور الخامسة» حيث ذكر معاني الإحسان في القرآن الكريم ص ١٩٢ وما بعدها.
(٣) انظر الفقرة الخاصة بمعية الله للإنسان واقتران ذلك بكل هذه الصفات.
(٤) أقسم الله- عز وجل- على ذلك بسبعة أشياء هي: ١- الشمس، ٢- القمر، ٣- النهار، ٤- الليل، ٥- السماء، ٦- الأرض، ٧- النفس.
(٥) التفسير القيم (٥١١- ٥١٢) . وانظر هامش (٥١١) بتصرف يسير.