للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (المطففين/ ٢٢- ٢٤) .

د- الأخذ بالأسباب:

على المرء إذا أراد أن يكرّم نفسه أن يصونها عن ذلّ سؤال الخلق، ولا يتأتّى له ذلك إلّا إذا سعى في طلب الرّزق موقنا أنّ الله عزّ وجلّ هو الرّزّاق ذو القوّة المتين وأنّه المتكفّل بذلك مصداقا لقوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ* فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (الذاريات/ ٢٢- ٢٣) ، وإذا فعل ذلك فإنّ عليه أن يرضى بما قسم الله له من الرّزق الحلال، فإذا سعى وكدح ورزق ما قدّر الله له أن يرزقه ورضي بذلك انكسرت حواجز الشّك والقلق، وتخلّص من وساوس الشّيطان وحبّ التّكاثر من أجل استهلاك زائف في دنيا فانية، وأنّه لابدّ ملاق ربّه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (الانشقاق/ ٦) ، بذلك فقط تصبح نفسه عزيزة بإيمانها، قويّة بعزّتها، لا تغرّها الدّنيا ولا يعميها الطّمع حيث آمنت بقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ (الحديد/ ٢٠) «١» ، واعتقدت بأنّ النّجاح والرّزق بيد الله عزّ وجلّ، يقول سبحانه:

وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ إلى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (الطلاق/ ٢- ٣) ، وقال عزّ وجلّ:

وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً* ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (الطلاق/ ٤- ٥) .

إنّ الارتباط بين التّقوى والتّوكّل وقضاء الله وقدره من ناحية وبين الرّزق من ناحية أخرى كفيل أن يحرّر الإنسان من الخوف من فقدان الرّزق، ذلك أنّ الرّزق قد تكفّل به المولى عزّ وجلّ في قوله تعالى:

وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها (هود/ ٦) ، وليس على الإنسان إلّا أن يأخذ بالأسباب الّتي أجملتها الاية الكريمة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ويعتقد جازما أنّ الله وحده صاحب الفضل في توفير هذا الرّزق له وتأمينه من الخوف أيّا كان نوعه من مرض أو جوع أو عدوّ أو نحو ذلك، ولا مهرب من ذلك كلّه إلّا بالفرار إلى الله عزّ وجلّ، قال تعالى:

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ ٥٠) .

إنّ الإنسان الّذي يكرّم نفسه حقّا هو الّذي لا ينسى نصيبه من الدّنيا ولكنّه في الوقت نفسه لا ينسى نصيبه من الاخرة، فالاخرة كما قال تعالى: خَيْرٌ وَأَبْقى (الأعلى/ ١٦) ، وتحصيل نصيب الاخرة يكون بالإنفاق وإخراج الزّكاة والمواساة وإغاثة الملهوف ونحو ذلك، يقول الله تبارك وتعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا (القصص/ ٧٧) .

والخلاصة أنّ الإنسان الّذي يكرّم نفسه هو الّذي يستحقّ التّكريم من الله عزّ وجلّ ومن النّاس، وتكريم النّفس يكون بإعمال قواها العقليّة بالتّفكّر والتّدبّر والتأمّل، وقواها القلبيّة بالحبّ والتّذكّر والإيمان، وقواها البدنيّة بالسّعي للرّزق وبالعبادة والعمل الصّالح، إذ هما وسيلة العبد إلى التّقرّب منه سبحانه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ


(١) انظر صفة «التكاثر» .