للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن: الكلام المنزّل من عند الله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المتعبّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتّواتر، المعجز بسورة من جنسه، المجمع عليه «١» .

[فضل تلاوة القرآن وحفظه:]

إنّ لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتعهّده بالقراءة من الفضل ما لا يخفى، ويكفي لإثبات ذلك ما جاءت به الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة وآثار الصّحابة- رضوان الله عليهم- فمن الآيات قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر/ ٢٩- ٣٠) ، وقد كان قتادة رضي الله عنه- إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القرّاء «٢» ، وذلك لما أثبتته لهم من الأجر العظيم والثّواب المضاعف، فهم لا ينعمون بالأجر

وافيا وإنّما يزيدهم الله إكراما وفضلا، قال القرطبيّ: هذه الزّيادة هي الشّفاعة في الآخرة «٣» ، وقد ربط المولى عزّ وجلّ بين تلاوة القرآن والإيمان به، فقال: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (البقرة/ ١٢١) . وقد جاء عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية أنّ من حقّ التّلاوة أن يقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله «٤» ، وهنا ربط واضح بين التّلاوة الحقّة والإيمان بكتاب الله، أمّا الّذين أوتوا الكتاب فقيل: هم أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والكتاب على هذا هو القرآن، وقيل هم من أسلم من بني إسرائيل، والصّواب- كما قال القرطبيّ أنّ الآية تعمّ «٥» ، وحقّ التّلاوة يجوز أن يكون بمعنى الاتّباع أو العمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه، ويجوز أن تكون بمعنى: يقرءونه- كما ذكرنا عن ابن مسعود آنفا- ولا تعارض بين الرّأيين «لأنّ بترتيل ألفاظه وفهم معانيه يكون الاتّباع لمن وفّق» «٦» .

لقد شبّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الّذي يقرأ القرآن بالأترجّة «٧» . ريحها طيّب وطعمها طيّب «٨» ، كما أخبرنا صلّى الله عليه وسلّم أنّ الماهر مع السّفرة الكرام البررة، وأنّ الّذي يقرأ القرآن ويتتعتع «٩» فيه وهو عليه شاقّ له أجران «١٠» . وأيّ فضل وأيّ شرف يرنو إليه مسلم يعلو ما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم من أنّ القرآن يأتي يوم القيامة يلبسه تاج الكرامة، ويجعله ممّن رضي الله عنهم، وعندما يتمّ الرّضوان يقال له: اقرأ وارق، ورتّل كما


(١) هداية القاري إلى تجويد كلام الباري، للمرصفي (٤٣) .
(٢) تفسير ابن كثير (٣/ ٥٦٢) .
(٣) تفسير القرطبي (١٤/ ٣٤٥) .
(٤) انظر الأثر رقم (١٦) وقارن بالمصادر التي ذكرت هناك.
(٥) انظر تفسير القرطبي (٢/ ٩٥) ، وقد نسب الرأي الأول لقتادة والآخر لابن زيد.
(٦) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(٧) الأترجة ثمرة جامعة لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون.
(٨) انظر الحديث رقم (٢٩) .
(٩) التّتعتع، هو التردد في القراءة لضعف الحفظ، والأجران أحدهما بالقراءة والآخر لمحاولة الحفظ.
(١٠) انظر الحديث رقم (٨٤) .