للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لينقله الحاضر إلى الغائب، ولما لم يبق فيهم إلى الأبد فكل من يأتي في عصر بعد عصر يأخذون بمن تقدمهم من عصر وينقلون إلى من بعدهم من عصر، لينقل عنه كل سلف إلى خلفه فيستديم على الأبد نقل سننه ويعلم جميع ما يأتي لشرائعه.

فصار نقل الأخبار عنه واجبا على أهل كل عصر وصار قبولها واجبا في كل عصر، فلذلك صارت الأخبار عنه أصلا من أصول الشرع» «١» .

ويذكر ابن حبان: «قال أبو حاتم- رحمه الله- قوله «بلغوا عني ولو آية» أمر قصد به الصحابة، ويدخل في جملة هذا الخطاب من كان بوصفهم إلى يوم القيامة في تبليغ من بعدهم عنه صلّى الله عليه وسلّم، وهو فرض على الكفاية، إذا قام البعض بتبليغه سقط عن الآخرين فرضه، وإنما يلزم فرضيته من كان عنده منه ما يعلم أنه ليس عند غيره، وأنه متى امتنع عن بثه، خان المسلمين، فحينئذ يلزم فرضه.

وفيه دليل على أن السنة يجوز أن يقال لها: الآي، إذ لو كان الخطاب على الآي نفسه دون السنن، لاستحال، لاشتمالهما معا على المعنى الواحد» «٢» .

وكل هذا يؤكد المعنى الذي نريد وهو أن السنة الأصل الثانى أو المصدر الثاني من مصادر الإلزام الخلقي في الإسلام، لأن ما صدر عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مما يتصل ببيان المنهج الإسلامي هو شرع متبع، وبالتالي يكون خلقا من أخلاق الإسلام، وما صدر عنه بمقتضى طبيعته البشرية فهو ملزم إذا قام على ذلك دليل يدل على أن المقصود من فعله الاقتداء، وكذا ما صدر عنه بمقتضى الخبرة البشرية أو بمقتضى العادات الجارية، أما ما صدر عنه ودل الدليل على أنه خاص به فلا يعتبر تشريعا لعموم المسلمين. وعليه: فإن ما يثبت بدليل يقصند به التشريع العام واقتداء المسلمين به فهو من قبيل الإلزام، لأنه قانون يجب اتباعه «٣» .

ومهما يكن من أمر، فإن السنة زاخرة بالأخلاق، ولا غرو فهى حياة النبى صلّى الله عليه وسلّم، والمجتمع الإسلامي المعاصر له، ولأنها مصدر تشريعى لهذه الحياة كانت بالتوجيه ملازمة للقرآن، وبالتالي فإن اعتبارها مصدر الإلزام الخلقي أمر واجب.

[(ج) المصدر الثالث: الإجماع:]

وهو «اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم على حكم شرعى في


(١) الماوردي: أدب القاضي، مرجع سابق، ص ٣٧٠.
(٢) الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط. الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة الرسالة، ١٤١٢ هـ/ ١٩٩١ م، ج ١٤/ ١٤٩.
(٣) عبد الوهاب خلاف: مرجع سابق ص ٤٤، ٤٣، ومحمد أبو زهرة، مرجع سابق ص ٨٩، ٩٠.