للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالطّاغوت والإيمان بالله، فتضمّنت هذه الكلمة العظيمة أنّ ما سوى الله ليس بإله، وأنّ إلهيّة ما سواه من أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظّلم، فلا يستحقّ العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهيّة لغيره، فتضمّنت نفي الإلهيّة عمّا سواه، وإثباتها له وحده لا شريك له، وذلك يستلزم الأمر باتّخاذه إلها وحده، والنّهي عن اتّخاذ غيره معه إلها، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النّفي والإثبات ... وقد دخل في الإلهيّة جميع أنواع العبادة الصّادرة عن تألّه القلب لله بالحبّ والخضوع، والانقياد له وحده لا شريك له، فيجب إفراد الله تعالى بها كالدّعاء والخوف والمحبّة، والتّوكّل والإنابة والتّوبة والذّبح والنّذر والسّجود، وجميع أنواع العبادة، فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له، فمن صرف شيئا ممّا لا يصلح إلّا من العبادات لغير الله فهو مشرك ولو نطق ب «لا إله إلّا الله، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التّوحيد والإخلاص» «١» .

[شروط كلمة التوحيد:]

لشهادة أن لا إله إلّا الله شروط يجب على كلّ مسلم أن يحقّقها وهي:

١- العلم: ودليله قول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد/ ١٩) . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة» والمراد:

العلم الحقيقيّ بمدلول الشّهادتين، وما تستلزمه كلّ منهما من العمل.

٢- اليقين: وضدّه الشّكّ والتّوقّف، أو مجرّد الظّنّ والرّيب، والمعنى: أنّ من أتى بالشّهادتين فلابدّ أن يوقن بقلبه ويعتقد صحّة ما يقوله من أحقّيّة إلهيّة الله تعالى وصحّة نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وبطلان ما عدا ذلك.

٣- القبول المنافي للرّدّ: ذلك أنّ هناك من يعلم معنى الشّهادتين ويوقن بمدلولهما، ولكنّه يردّهما كبرا وحسدا، وهذه حالة علماء اليهود والنّصارى، فقد شهدوا بإلهيّة الله وحده، وعرفوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك لم يقبلوه، قال تعالى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ...

(البقرة/ ١٠٩) . وهكذا كان المشركون يعرفون معنى «لا إله إلّا الله» ولكنّهم يستكبرون عن قبوله، ومصداق ذلك قوله سبحانه: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ.

٤- الانقياد: والفرق بينه وبين القبول: أنّ الانقياد هو الاتّباع بالأفعال، والقبول: إظهار صحّة معنى ذلك بالقول. والانقياد: هو الاستسلام والإذعان، وعدم التّعقّب بشيء من أحكام الله تعالى، قال سبحانه: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ (الزمر/ ٥٤) .

٥- الصّدق: ودليله قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله صادقا من قلبه دخل الجنّة» «٢» . فأمّا من قالها بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإنّها لا تنجيه،


(١) الشهادتان.. معناها وما تستلزمه كل منهما (٢٢، ٢٣) .
(٢) انظر الحديث رقم (١٣) ولفظه «مخلصا) .