للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيا كان الأمر، فإن الإنسان يكون مسئولا أمام نفسه، أو أمام الآخرين (الإنسان والمجتمع) أو أمام الله، هذا ما يعنيه التقسيم السابق، ومع هذا فإن الإنسان يظل مسئولا عن كل شيء أمام الله تعالى.

وعلى ما سبق يمكن أن يكون هناك ثلاثة أنواع من المسئولية:

١- المسئولية الأخلاقية المحضة.

٢- المسئولية الاجتماعية.

٣- المسئولية الدينية.

والمسئولية الأخلاقية المحضة هي ما تقابل الالتزام الذاتي من الإنسان نفسه على الإتيان بشيء أو الانتهاء عن فعل شيء، والمسئولية الاجتماعية هي ما تقابل الالتزام تجاه الإنسان وما يفرضه المجتمع من قواعد، أما المسئولية الدينية فهي ما تقابل الالتزام أمام الله تعالى. ولعله من الضروري الإشارة إلى أن كلا من المسئولية الأخلاقية والمسئولية الاجتماعية إنما هما مسئولية دينية، وفي الوقت ذاته هي مسئولية خلقية، إذ أنه على حد قول (دراز) : «فالمسئولية التي يحملنا إياها غيرنا تصبح بمجرد قبولنا لها مطلبا صادرا إليه شخصنا. وإذا فليس من المستغرب أن نرى القرآن يقدم لنا المسئولية الدينية ذاتها في صورة مسئولية أخلاقية محضة حين يقول بمناسبة بعض التعاليم المتعلقة بالصوم المفروض، وقد تحايل بعض الناس على التخلص منه سرا: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ «١» . وفي كثير من الأحيان لا يكتفي الكتاب، حين يستحث المؤمنين إلى الطاعة بأن يذكرهم بالأمر الإلهي، بل يذكرهم في الوقت نفسه بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم بأن يطيعوا هذا الأمر» «٢» .

معنى هذا أن الالتزام الذاتي، والمؤسسات الاجتماعية لا حق لها في إصدار التكليف، والمسئولية، ما لم تكن مفوضة من قبل السلطة الإلهية، ويعني هذا أن الأخلاق مرتبطة بالدين ارتباطا واسعا، ولا يمكنها الفكاك من أسره، وعليه فعلى الإنسان المسلم أن يتحمل مسئوليته الخلقية التي أقرتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويراعي الأمانة بناء على الأمانة التي حمّلها له القرآن، على أساس من المبادرة الفردية وحفظ العهد، في إطار شرع الله وهذا واجب عليهم.

كما أن عليه أن يتحمل مسئوليته عن التكاليف والأعمال تجاه الآخرين، وذلك انطلاقا من قول الله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «٣» . وذلك في إطار شرع الله، أما إذا كان أي من هذه الأمور مخالفا لما في القواعد الإسلامية مخالفة صريحة، فإن عليه أن لا يأتيها. يقول الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم: «السمع والطاعة على المرء


(١) البقرة: ١٨٧.
(٢) اقرأ: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ الحديد: ٨. إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا المائدة: ٧. محمد عبد الله دراز مرجع سابق ص ١٤١.
(٣) المائدة: ١.