للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» «١» . أي لا يجب السمع والطاعة في الأمر بالمعصية، قال ابن حجر: «يحرم على من كان قادرا على الامتناع، وفي حديث معاذ عند أحمد «لا طاعة لمن لم يطع الله» وعنده وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري «لا طاعة في معصية الله» وسنده قوي «٢» . وفي مسند أحمد «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» «٣» .

وعن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعانا النبي صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» «٤» .

يقول ابن حجر في قوله: «أن لا ننازع الأمر أهله» أي الملك والإمارة، زاد أحمد عن طريق عمير بن هانيء عن جنادة «وإن رأيت أن لك رأيا وإن اعتقدت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة» وفي قوله «إلا أن تروا كفرا بواحا» قال الخطابي: معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره» «وعندكم من الله فيه برهان» : «أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي:

المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم» «٥» .

وبهذا يتحقق الاتزان حيث يطيع الإنسان المسلم الأوامر المتسقة مع نصوص القرآن والسنة، ولا يتبع ما يخرج عن أوامرهما أو يتعارض معهما. ولا بد إذن من الإشارة إلى أن المسئولية شاملة متكاملة، إذ أن كل إنسان مسئول مسئولية كاملة عن كافة أعماله، وما منحه من قدرات وإمكانيات، يقول الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «٦» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره


(١) البخاري- الفتح، مرجع سابق، ١٣/ ١٣٠ حديث رقم ٧١٤٤، ط الريان.
(٢) فتح الباري، مرجع سابق ١٣/ ٣١- ١٣٢، ط الريان.
(٣) أحمد بن حنبل، المسند، رقم أحاديثه محمد عبد السلام عبد الشافي ط ١، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤١٣ هـ/ ١٩٩٣ م (٥/ ٦٦) ، حديث رقم ٢٠٦٨٠.
(٤) البخاري- الفتح، مرجع سابق، ١٣/ ٧، حديث رقم ٧٠٥٥، ٧٠٥٦.
(٥) فتح الباري، مرجع سابق ١٣/ ١٠، ١١.
(٦) الإسراء: ٣٦.