للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصّحيحة كقوله صلّى الله عليه وسلّم «سلوا الله لي الوسيلة» ... وهذه الوسيلة أمرنا الله أن نسألها للرّسول صلّى الله عليه وسلّم.

وأمّا التّوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والتّوجّه به في كلام الصّحابة فيريدون به التوسّل بدعائه وشفاعته.

والتوسّل في عرف كثير من المتأخّرين يراد به الإقسام به، والسّؤال به كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصّالحين، ومن يعتقدون فيه الصّلاح» «١» .

[أنواع التوسل وأحكامه:]

قال ابن تيميّة: «لفظ التّوسّل يراد به ثلاثة معان. أحدها: التّوسّل بطاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلّا به.

والثّاني: التّوسّل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسّلون بشفاعته.

والثّالث: التّوسّل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسّؤال بذاته، فهذا هو الّذي لم تكن الصّحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته، ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنّما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجّة. وهذا هو الّذي قاله أبو حنيفة وأصحابه إنّه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق.

قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلّا به، وأكره أن يقول: «بمعاقد العزّ من عرشك» .

وقال أبو يوسف: بمعقد العزّ من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحقّ فلان أو بحقّ أنبيائك ورسلك وبحقّ البيت الحرام والمشعر الحرام ...

قال القدوريّ: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنّه لا حقّ للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا» «٢» .

[التوسل بدعاء الصالح لا بذاته:]

قال ابن تيميّة: «وأمّا التّوسّل بدعائه وشفاعته فهو جائز بإجماع المسلمين، ومنه قول عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه-: «اللهمّ إنّا كنّا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا» ، فإنّه توسّل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التّوسّل به إلى التّوسّل بعمّه العبّاس ولو كان التّوسّل هو بذاته لكان هذا أولى من التّوسّل بالعبّاس» «٣» .

«فإنّ دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم وسؤالهم والاستغاثة بهم والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم بمعنى طلب الشّفاعة منهم هو من الدّين الّذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولا ولا أنزل به كتابا وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا كلّه من الشّيطان ... فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة المسلمين، ومن تعبّد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبّة، وهو يعتقدها واجبة


(١) مجموع الفتاوى (١/ ١٩٩- ٢٠٢، ١/ ٣٥٦) .
(٢) المرجع السابق (١/ ٢٠٢- ٢٠٣) .
(٣) المرجع السابق (١/ ٢٠١) .