للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعله من المهم الإشارة إلى أن الإنسان غير مسئول عن الأعمال اللاإرادية للإنسان حيث يفتقر إلى الإرادة، ولا هو مسئول عن الفعل الخطأ غير المقصود أو المراد وذلك لعدم استهدافها الشر أو الخطأ. فالإنسان لا يحاسب على عمل إلا إذا توافر القصد الكامل له. وهذا مصداق قوله سبحانه وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ «١» .

وهكذا يظهر دور النية في الأخلاق الإسلامية باعتبارها شرطا ضروريا، وعلى ذلك هي شرط للمسئولية، ومصداق هذا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات» «٢» . ويفيد الحديث أن الأعمال لا قيمة لها إلا بالنية، وأن الأعمال بنياتها، وعلى هذا فالأعمال لا توجد «أخلاقيا» إلا بالنية، وهذا يؤكد وجود النية كشرط لقيمة الفعل الخلقي «٣» .

٤- حرية الاختيار:

حين تتحقق شروط المعرفة والعمل الإرادي على بصيرة من الفرد بما يعمل، فليس معنى ذلك أن العمل قد استوفى جميع شروط المسئولية، إذ أن هناك شرطا آخر على درجة من الأهمية، وهو القدرة وفاعلية الجهد الإنساني، أو بتعبير آخر: الحرية. ويؤكد «دراز على ذلك بقوله: «إن مبدأ التناسب بين المسئولية والحرية تمتد جذوره بعمق في الضمير الإنساني، بحيث لا يمكن تجاهله دون أن يبدو في موقفنا شيء من الإجحاف «٤» .

إن المسلم مطلوب منه استخدام قدرته على الاختيار حتى لا يتخذ من القضاء والقدر ذريعة للتهرب من المسئولية، وقد بسطنا القول قبل ذلك فيما يتعلق بشرط التكليف، وهو أن يكون الإنسان مختارا فلا معنى لكون الإنسان مجبرا على شيء ونحاسبه عليه وإنما يحاسب على اختياراته. إن الإنسان يصبح مسئولا، وهو يحقق ذاته بنفسه، وهكذا يصبح مسئولا أمام الله عما آتاه من فعل بإرادته وحريته.

لعله قد تبين أن المعرفة لا تكفي دليلا على تحمل المسئولية الخلقية، ما لم تصاحبها النية (الإرادة الجازمة) تجاه الخير أو الشر، وهذه الإرادة وحدها- أيضا- لا تكفي، بل لا بد من الاختيار والقدرة والحرية التي تسلك معها في نمط واحد حتى تكون الخلقية هي الصفة الجوهرية التي تميز الإنسان المسئول في هذه الحالة «٥» .

وكما يقرر «دراز» : فالشروط الضرورية والكافية لمسئولياتنا أمام الله وأمام أنفسنا هي: أن يكون العمل


(١) الأحزاب: ٥.
(٢) ابن حجر- الفتح ج ١، حديث رقم (١) .
(٣) محمد ممدوح العربي: الأخلاق السياسية، مرجع سابق، ص ٢٢٠، ٢٢١، محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق فى القرآن، ص ١٧٩، ١٨٠، وابن حجر: فتح البارى، (ط الشيخ بن باز، ج ١، ص ٢٠، ٢١) .
(٤) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق فى القرآن، مرجع سابق، ص ١٨١.
(٥) محمد عبد الله عفيفى: الأخلاق عند ابن تيمية، مرجع سابق، ص ١٨٧، ١٨٨.