للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كله يشير إلى أن الندم لا ينشيء جزاء ثوابيّا، ولا جزاء إصلاحيّا. ولذا فإن الجزاء الخلقي الصحيح هو ذلك الشعور الذي يعيد تثبيت القانون المنتهك وهو (التوبة) ، والندم هو مقدمة التوبة وإعداد لها. وهو محاولة لتجميع قوى النفس ورأب لصدعها، وتجد في حرارة الندم المؤلمة وسيلتها لتلتئم وتقوى، وتعاود حمل الأمانة من جديد بمزيد من الطاقة والحماس وقد يثير الندم التوبة، وقد لا يثيرها على وجه الإطلاق، أي أنه لا يستتبعها كنتيجة مبدئية «١» .

وعلى هذا فالتوبة هي الجزاء الخلقي، يفرض تدخل الجهد من أجل الإصلاح، إنها واجب يفرضه الشرع على أثر تقصير في أداء الواجب، وهناك الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك «٢» . لكون التوبة كذلك، فإنها في ذاتها ندم على ما سلف، وإقلاع عنه في الحال، وعزم على عدم المعاودة في المستقبل «٣» .

إن التوبة لا يمكن أن تؤدي وظيفتها الإصلاحية في الأخلاق الإسلامية إذا اقتصرت على الأسف على ما اقترفناه من شر والعزم على عدم المعاودة ولكنها موقف أكثر تعقيدا، موقف ينظر للماضي والحاضر والمستقبل، ويتجلى في الأفعال لا في اتخاذ خط سلوكي جديد فقط، بل أيضا في إعادة تجديد البناء الذي تهدم بصورة منهجية، وقد أوضح القرآن مجموع الشروط الموضوعية الضرورية ليصبح للتوبة عائدها الحقيقي هو الغفران.

- إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «٤» .

فليس المهم التوبة فقط، وإنما الإصلاح، إصلاح ما نقص أو فسد أو أفسده الإنسان وهذا الإصلاح يتمثل في أمور عدة:

- إما في عمل ناقص، ويجب أن يعاد، ويؤدى بطريقة مناسبة آجلا أو عاجلا.

وإما في إصلاح شر بتعويض آثاره من سلبيات إلى تقليل آثاره السلبية بأداء أفعال ذات طبيعة مناقضة للفعل الأول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «٥» .

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها «٦» .


(١) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن، مرجع سابق ص ٢٤٨- ٥٠٢ (بتصرف) .
(٢) راجع: صفة التوبة من صفات الموسوعة.
(٣) راجع ابن القيم: مدارج السالكين لابن القيم، ج ١، ص ٢٠٢، ٢٠٣.
(٤) البقرة: ١٦٠، الأنعام: ٥٤، والنحل ١١٩.
(٥) هود: ١١٤.
(٦) التوبة: ١٠٢- ١٠٣.