للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل الثالث المنهج الإسلامي في تنمية القيم الخلقية]

اتضح لدينا في الفصل السابق، طبيعة الأخلاق الإسلامية، ومصادرها، وفي أثنائها تناولنا فطرة الإنسان وطبيعته وأبعادها باعتبار أن الإنسان مكلف ومتحمل مشاق التكليف، ولعلنا نتساءل:

هل الأخلاق فطرية في الإنسان أو مكتسبة؟ بمعنى: على أي شيء تعتمد عليه تربية السلوك الخلقي؟ هل تعتمد على ما لدى الإنسان من فطرة وقوة واستعدادات؟ أم تعتمد على التنشئة والتوجيه؟

وعلى أي حال كان الموقف، فكيف يتم النمو الخلقي لدى الإنسان؟ وكيف يتم تنشئة السلوك الخلقي عند الإنسان؟

هذا هو حديثنا وتحليلنا في هذا الفصل، في محاولة لإيضاح هذا الأمر، وخاصة أن هناك نظريات كثيرة في هذا المجال، والباحثون فيه يعتمدون على نظريات صاغها علماء وباحثون غربيون يفسرون في ضوئها ويحللون.

وليس لدينا مساحة للاستفادة مما كتبوا، إلا أن الأفضل أن نحاول الاستفادة مما تحت أيدينا من أفكار في هذا المجال، مما أنتجه علماؤنا وخبروه.

[أولا: هل تكتسب الأخلاق:]

لعله قد تقرر لدينا أن الإنسان مخلوق لديه استعدادات كامنة تظهر بالتنشئة والاكتساب، بحيث تنمو وتنضج، وتصبح طابعا مميزا للإنسان «١» . وتقرر أيضا- أن الإسلام منهج شامل لكافة جوانب حياة الإنسان، والأخلاق الإسلامية هداية من الله للإنسان، من التزم بها فقد حمد ربه، لأنها سعادة في الدنيا والآخرة.

وإذا كان ثمة تفسيرات طرحت للسلوك الخلقي منها ما يرد تكوين السلوك إلى التكوين الحياتي للإنسان، ومنها ما يرده إلى مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، ومنها ما يرده إلى التأثير الاجتماعي.

ويرتبط مدخل التفسير الحياتي لتكوين الأخلاق بما يسمى بالمثير والاستجابة، بمعنى أن الخلق يتكون عن طريق الربط بين مثيرات معينة مثل الخسائر المادية والعقاب أو ما يشبه العقاب من مثيرات غير محببة، وهذا الارتباط وتعميمه يختلف نوعا عن الصراعات بين الرغبة في إشباع المشاعر الداخلية، أو الحاجات الفورية وبين المتاعب التي تنشأ من القلق، ومن ثم يتكون الضمير باعتباره نوعا من أنواع القلق الذي يصاحب القيم بالفعل الشائن أو حتى التفكير في القيام به، ومن ثم ينصرف عنه لما يسببه من ألم لدى الإنسان «٢» .


(١) راجع: الفصل السابق.
(٢) انظر: محمد رفقي محمد فتحي، في النمو الأخلاقي، ط ١، الكويت، دار القلم، ١٤٠٣ هـ/ ١٩٨٣، ص ١٣- ٢٦.