للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تجاهدون أعداءكم، والمجاهدة تكون باليد واللّسان، قال صلّى الله عليه وسلّم «جاهدوا الكفّار بأيديكم وألسنتكم» «١» .

[اصطلاحا:]

قال الرّاغب: الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ، وقال الجرجانيّ: هو الدّعاء إلى الدّين الحقّ، وقد جمع ابن حجر بين هذين النّوعين من الجهاد وأضاف غيرهما فقال: الجهاد بذل الجهد في قتال الكفّار. ويطلق أيضا على مجاهدة النّفس والشّيطان والفسّاق والكفّار. فأمّا مجاهدة النّفس، فعلى تعلّم أمور الدّين ثمّ على العمل بها ثمّ على تعليمها.

وأمّا مجاهدة الشّيطان، فعلى دفع ما يأتي به من الشّبهات وما يزيّنه من الشّهوات.

وأمّا مجاهدة الكفّار، فتقع باليد والمال واللّسان والقلب.

وأمّا مجاهدة الفسّاق، فباليد ثمّ اللّسان، ثمّ القلب «٢» .

[مراتب الجهاد:]

قال ابن القيّم: لمّا كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» ، كان جهاد النّفس مقدّما على جهاد العدوّ في الخارج، وأصلا له، فإنّه ما لم يجاهد نفسه أوّلا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوّه في الخارج. فهذان العدوّان: عدوّ الخارج وعدوّ النّفس وبينهما عدوّ ثالث لا يمكنه جهادهما إلّا بجهاده وهو واقف بينهما يثبّط العبد عن جهادهما، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما وهو الشّيطان، فهذه الأعداء الثّلاثة أمر العبد بمحاربتها وجهادها، وقد بلي بمحاربتها في هذه الدّار، وسلّطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء، فأعطى الله العبد مددا وعدّة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد، وأخبرهم أنّه مع المتّقين ومع المحسنين، ومع الصّابرين ومع المؤمنين، وأنّه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم؛ بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوّهم. وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم، وعلى قدره، فإن قوي الإيمان، قويت المدافعة، فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه. وأمرهم أن يجاهدوا فيه حقّ جهاده.

واختلفت عبارات السّلف في حقّ الجهاد:

فقال ابن عبّاس: هو استفراغ الطّاقة فيه، وألّا يخاف في الله لومة لائم. وقال مقاتل: اعملوا لله حقّ عمله واعبدوه حقّ عبادته.

[أقسام الجهاد:]

قال ابن القيّم- رحمه الله-: أقسام الجهاد أربعة: جهاد النّفس، وجهاد الشّيطان، وجهاد الكفّار، وجهاد المنافقين. أمّا جهاد النّفس فقد أفردنا له صفة


(١) انظر: مقاييس اللغة لابن فارس (١/ ٤٨٦) ، المفردات للراغب (ص ١٠١) ، الصحاح (٢/ ٤٦٠) ، ولسان العرب (مادة جهد) (ص ٧١٠) (ط دار المعارف) والمصباح المنير (ص ١٢٢) .
(٢) ابن حجر، فتح الباري (٦/ ٥) ومفردات الراغب (ص ١١٠) وكتاب التعريفات للجرجاني (ص ٨٤) .