للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١- اهتم القرآن الكريم في مرحلته المكية ببناء الإيمان في نفوس الناس، والدعوة إليه بكافة الوسائل، وذلك بلفت النظر إلى خلق الله، والتأمل فيه، للاستدلال على الخالق- عز وجل- والإيمان به، والتصديق بما أنزله على رسوله.

وقد عرضت الآيات الواردة في هذا المجال: سنة الله في الأسباب والمسببات، سنة الله في جزاء من اتبع هداه، سنة الله في حال الإعراض عنه، سنة الله في التدافع بين الحق والباطل، سنة الله في الابتلاء والفتنة، سنة الله في الظلم والظالمين، سنة الله في الترف والمترفين، سنة الله في الطغاة والطغيان، سنة الله في بطر النعمة وتغييرها، سنة الله في الذنوب والسيئات، سنة الله في الاستدراج. وغير ذلك من سنن عرضها القرآن في قصصه أو في آيات منفصلة، بهدف تعريف الناس بكيفية السلوك الصحيح في الحياة، حتى لا يقع الإنسان في الخطأ والعثار والغرور والأماني الكاذبة.

إنها الدعوة الكاملة إلى الإيمان الكامل الصحيح، وقد يصاحب بيان ذلك في الآيات ذكر الجنة والنار، والثواب والعقاب، ليحرك في النفس عاطفة الخوف والإحساس بالأمن، وهو في ذلك يريد أن يحرك في الإنسان الإحساس بالأمان النفسي والشعور بالحماية الإلهية في ظل الإيمان، وفي الوقت نفسه يعطيه الثقة بنفسه، وبأنه مكرم ومؤهل لحمل أمانة الوجود، وحمل أمانة التكليف.

فهي تستثير في الإنسان أقصى طاقاته الإنسانية لتسمو بها وتضعها على الطريق السوي السليم المنشود من الإيمان «١» . وتحويل الإنسان من التبعية الذليلة في كل شيء من جنبات حياته للطواغيت الكفرة والفجرة، إلى آفاق العزة والكرامة وتحقيق الإنسانية الكريمة وذلك ببث روح القوة والتخلص من العجز والاتكالية وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «٢» .

٢- وقد صحح القرآن علاقة الإنسان بما حوله بأن جعلها علاقة تعاطف وتعارف، فلا عبودية لها ولا تأليه، ولا استهانة ولا إنكار، وقد ربى القرآن الإنسان على حضور واع، واتخذ في هذا السبيل طرقا مختلفة لعملية التصحيح هذه، وهي لازمة لتكوين قيم صحيحة سليمة، وكان أول ما قام به هو تصحيح علاقة الإنسان بالله الخالق الراعي لخلقه المعتنى بهم، الرحيم، المبدع، التواب. وهو الواحد؛ غرس في نفس المسلم التوحيد، الذي دفع الإنسان إلى حب الخير وفعله، وتجنب الشر وكراهيته، وبالتالي كانت العلاقة بين الإنسان والله طريق الإنسان إلى الكمال، وكانت طريقا إلى امتلاء قلب الإنسان بالولاء والانتماء إلى الله وحده، ومنهجه الذي إذا تمسك به الإنسان أصبح إنسانا فاضلا يسارع إلى فعل الخيرات، ويبتعد عن فعل الشر، وبالتالي يتصف الإنسان بمكارم الأخلاق، ويتشبه بأخلاق الله تعالى من حيث الاتصاف بالكمالات والتنزه عن النقائص، ويصبح مجتمعه كله ذا أخلاق


(١) اقرأ الآيات: ١٠ من سورة لقمان، ٥٣ من سورة طه، ٧ من سورة الشعراء والواقعة.
(٢) آل عمران: ١٣٩.