للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دينية، تسوده مكارم الأخلاق.

وكان ذلك منطلقا لتصحيح كافة العلاقات الأخرى بما حول الإنسان ومن حوله، وما دام الإنسان قد آمن موحدا وتولدت في نفسه حالة العبودية الكاملة لله وحده، فإن ذلك ينعكس على علاقاته بالأشياء حوله، وعلى كافة مكونات حياته؛ ذلك أن الإيمان الصحيح هو أكبر القيم الخلقية الدافعة للإنسان في مجرى الحياة الصحيح الموصل للسعادة.

ومن هنا تنبع مجموعة من القيم الخلقية الفذة النابعة من توجيه التوحيد، كحالة نفسية، وضرورية للتعايش مع الكون والعالم ومصادقة قوى الطبيعة، ودراستها وفهمها، واكتشاف أسرارها لتضفي قيمة عليا على العلم والبحث العلمي بالمعنى الواسع للكلمة.

ثم هو لا يذوب في الطبيعة المادية ولا يعاديها، لكنه لا بد أن ينفصل عنها إلى عالم التوحيد المطلق والمجرد، فالطبيعة ليست مقصودة لذاتها، وهي ليست ثابتة، بل هي متغيرة ومتقلبة، ومن حق المسلم أن يتجاوزها بعد أن يكتشف فيها لغة التسبيح لله. وفي هذا الذي أقره الإسلام ووجه إليه تحقيق سام لإنسانية الإنسان، لأن الإنسان بهذا يتحرر من عبودية أي شيء سوى الله تعالى، ويتخلص من قلقه المرضي؛ لأن المنهج الإسلامي يضع الإنسان حيث يجب أن يوضع، مخلوقا ذا رسالة سامية في هذه الحياة «١» .

٣- وصحح القرآن علاقة الإنسان مع نفسه ثم مع من حوله من الناس، وذلك بعد أن ضبط حركته بقيم خلفية معينة تجاه الخالق والأشياء، والآيات المدنية تأتي لبناء الإرادة الإنسانية وتكوين القيم السليمة لعلاقات الإنسان بنفسه، وبالإنسان في مجتمعه، وللجماعة كلها بعد أن قام البناء الإيماني في نفس المسلم.

وكثيرة هي تلك القيم الفاسدة التي كانت موجودة عند العرب وفي العالم، واستطاع الإسلام بتوجيهاته أن يقضي عليها، ويحولها إلى قيم إيجابية صحيحة على أساس من الإيمان الصحيح الخالي من الشوائب.

وقد اهتم القرآن كثيرا بتوضيح الانحرافات الخلقية التي يمكن أن توجد في المجتمع المسلم، فاهتم بإيضاح حقيقة النفاق وعدّها انحرافا نفسيا يسهل الوقوع فيه؛ لأن الإنسان المسلم- تحت الظروف المستبدة- قد يعيش حالة مزيفة، إنه يصبح ضد نفسه أحيانا، ويحبس حركتها الحرة في التنقل من حالة إلى حالة، ويوقف تيارها الداخلي وهذا مرض نفسي، يجمد حركة الإنسان، ويحرمه من الحركة الحية، ويصيبه بالخواء والزيف والخداع، وقد صور القرآن حالة المنافقين في آيات كثيرة منها:


(١) عبد الغني عبود: العقيدة الإسلامية والأيدولوجيات المعاصرة- الطبعة الأولى- القاهرة- دار الفكر العربي، ١٩٧٦ م ص ١٤٣.