للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمتعلم، إذ هي صادرة عن حكمة، وليس عن هوى» «١» والمثال على ذلك نأخذ خلاصة من عظة لقمان لابنه، التي تهدف إلى:

١- أن يكون الله هو مصدر السلوك، بمعنى إيمان الإنسان به، واتباع شريعته، وذلك هو محدد سلوك الإنسان، وهو الهدف والغاية لسلوكه، بمعنى أن يكون مخلصا لله، وذلك عن طريق عدم الإشراك بالله، والشكر له.

٢- أن يكون السلوك كما حددته الموعظة، في قصد واعتدال في كل شيء، فلا مغالاة ولا تفريط، إنما توسط واعتدال، وهذا يعكس هدف التربية الإسلامية السلوكية: إنها تنشىء إنسانا معتدلا في سلوكه وفي عقيدته.

وهكذا يبدو دور الوعظ كوسيلة في التربية الإسلامية، تصلح في ميدان التربية الخلقية، كما هي في ميدان التربية الاجتماعية والعقلية وباقي الميادين الإسلامية.

هـ- القدوة:

تعني القدوة هنا أن يكون المربّي أو الداعي مثالا يحتذى به في أفعاله وتصرفاته، وقد أشاد القرآن الكريم بهذه الوسيلة فقال عز من قائل: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ (الممتحنة/ ٤) ، وقد كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم- ولا يزال- قدوة للمسلمين جميعا، والقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيّبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام «٢» بكل ما يحمله من مبادىء وقيم تدعو إلى الخير وتحث على الفضيلة.

ولأثر القدوة في عملية التربية، وخاصة في مجال الاتجاهات والقيم، كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو قدوة المسلمين طبقا لما نص عليه القرآن الكريم، وقد استطاع بفضل تلك القدوة أن يحمّل معاصريه قيم الإسلام وتعاليمه وأحكامه، لا بالأقوال فقط، وإنما بالسلوك الواقعي الحي، وقد حرصوا على تتبع صفاته وحركاته ورصدها والعمل بها، وما ذلك إلا حرصا منهم على تمثل أفعاله صلّى الله عليه وسلّم، لقد كان المثل الأعلى لهم.

وقد تمثلت في الرسول صلّى الله عليه وسلّم صفات جليلة جعلت منه قدوة بالفعل، ويمكننا أن نعرض لبعض تلك الصفات التي تفيد في توضيح القدوة وصفاتها الفعالة كأسلوب من أساليب تنمية القيم.

١- العقل:

فهو الأصل، وعنصر الينابيع، ونقطة الدائرة، منه ينبعث العلم والمعرفة، ويتفرع عنه ثاقب الرأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، وانتقاء الفضائل وتجنب الرذائل، وقد بلغ الرسول صلّى الله عليه وسلّم في العقل الغاية التي لم يبلغها بشر سواه، يقول القاضي عياض: «وإذ جلالة ذلك وما تنوع منه متحقق عند من تتبع مجاري أحواله، واطراد سيره، وطالع جوامع كلامه،


(١) علي خليل مصطفي أبو العينين، فلسفة التربية في القرآن الكريم، ط ٣، مكتبة ابراهيم حلبي، المدينة المنورة، ١٩٨٨ م.
(٢) مبادىء ونماذج في القدوة للشيخ صالح بن حميد، ص ٨.