للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سليمان: «أوصني» . قال: «سأوصيك وأوجز: عظّم ربّك، ونزّهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك، فلمّا خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب إليه» «أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير» ، قال: فردّها عليه، وكتب إليه: «يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إيّاي هزلا أو ردّي عليك بذلا، وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي» ، وكتب إليه: «أنّ موسى بن عمران لمّا ورد ماء مدين وجد عليها رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان، فسألهما فقالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظّلّ، فقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، وذلك أنّه كان جائعا خائفا لا يأمن، فسأل ربّه ولم يسأل النّاس. فلم يفطن الرّعاء وفطنت الجاريتان، فلمّا رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصّة وبقوله، فقال أبوهما وهو شعيب: هذا رجل جائع، فقال لأحداهما: إذهبي فادعيه، فلمّا أتته عظّمته وغطّت وجهها وقالت: إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشقّ على موسى حين ذكرت أجر ما سقيت لنا، ولم يجد بدّا من أن يتبعها، إنّه كان بين الجبال جائعا مستوحشا، فلمّا تبعها هبّت الرّيح فجعلت تصفق ثيابها على ظهرها فتصف له عجيزتها، وكانت ذات عجز، وجعل موسى يعرض مرّة، ويغضّ أخرى، فلمّا عيل صبره ناداها يا أمة الله كوني خلفي، وأريني السّمت بقولك ذا، فلمّا دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيّأ، فقال له شعيب: اجلس يا شابّ فتعشّ، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب لم أما أنت جائع؟ قال: بلى، ولكنّي أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا، فقال له شعيب: يا شابّ، ولكنّها عادتي وعادة آبائي، نقري الضّيف، ونطعم الطّعام، فجلس موسى فأكل. فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدّثت، فالميتة والدّم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحلّ من هذه، وإن كانت لحقّ في بيت المال فلي فيها نظراء؛ فإن ساويت بيننا، وإلّا فليس لي فيها حاجة» ) * «١»

٩-* (عن السّكن بن عمير؛ قال: سمعت وهب بن منبّه يقول: «يا بنيّ عليك بالحكمة، فإنّ الخير في الحكمة كلّها، وتشرّف الصّغير على الكبير، والعبد على الحرّ، وتزيد السّيّد سؤددا، وتجلس الفقير مجالس الملوك» ) * «٢» .

١٠-* (عن كثير بن مرّة، قال: «لا تحدّث الباطل للحكماء فيمقتوك، ولا تحدّث الحكمة للسّفهاء فيكذّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل، إنّ عليك في علمك حقّا، كما أنّ عليك في مالك حقّا» ) * «٣» .

١١-* (عن ثابت بن عجلان الأنصاريّ؛ قال: «كان يقال: إنّ الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا سمع تعليم الصّبيان


(١) أخرجه الدارمي (١/ ١٢٥- ١٢٦) رقم (٦٥٣) .
(٢) المرجع السابق (١/ ٩٠) رقم (٣٩٥) .
(٣) المرجع السابق (١/ ٨٨) رقم (٣٨٤) .