للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥- الحياء والإغضاء:

وقد كان صلّى الله عليه وسلّم «أشد الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاء» وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه» «١» . وكان صلّى الله عليه وسلّم:

«لطيف البشرة، رقيق الظاهر، لا يشافه أحدا بما يكرهه حياء وكرم نفس» . وعن عائشة- رضي الله عنها-: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه، لم يقل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا؟ ينهى عنه ولا يسمى فاعله» «٢» .

إن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب النقائص والقبائح والمنكرات، ويدفع المرء إلى التحلي بكل جميل محبوب، وإذا كان الحياء خلقا إسلاميا عاما يطلبه الإسلام في أتباعه، فإنّ تحلّي القدوة به أوجب، ولذا وردت الأحاديث النبوية الكثيرة تصف حياء الرسول القدوة وتدفع المسلمين إلى التزامه.

٦- حسن العشرة والأدب، وبسط الخلق مع أصناف الخلق:

يقول علي- رضي الله عنه- في وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان أوسع الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة» «٣» ، وكان يؤلف أصحابه، ولا ينفرهم، ويكرمهم «ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره، ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره، حتّى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء» «٤» .

وصف بأنه كان «دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا عياب، ولا مزّاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه (راجيه) ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا، ولا يعيّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه» «٥» .


(١) حديث صحيح، مختصر صحيح مسلم، حديث رقم ١٥٦٨، وانظر: الألباني مرجع سابق، ص ٨٧٠، حديث رقم ٤٧٩٩.
(٢) حديث صحيح، المرجع السابق، ص ٨٥٧، حديث رقم ٤٦٩٢. وراجع صفة: الحياء من الموسوعة.
(٣) القاضي عياض، الشفاء، مرجع سابق ص ١٥٥.
(٤) المرجع السابق، ص ١٥٦.
(٥) أبو نعيم الأصفهاني، دلائل النبوة، تحقيق محمد رواس قلعجي، عبد البر عباس، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، بيروت، دار النفائس، ١٤٠٦ هـ/ ١٩٨٦ م، ص ٦٣١.