للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ويقول وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وبيّن تعالى أنّ الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين، وأنّ الإعراض عن حكم الله تعالى سبب في حلول عقابه وبأسه الّذي لا يردّ عن القوم الظّالمين، يقول سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

وإنّ القارى لهذه الآية والمتدبّر لها، يتبيّن له أنّ الأمر بالتّحاكم إلى ما أنزل الله أكّد بمؤكّدات ثمانية؛ الأوّل: الأمر به في قوله تعالى وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ الثّاني: أن لا تكون أهواء النّاس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأيّ حال من الأحوال، وذلك في قوله وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ. الثّالث: التّحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير والصّغير والكبير، يقول سبحانه وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. الرّابع: أنّ التّولّي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم، قال تعالى فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ. الخامس: التّحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله؛ فإنّ الشّكور من عباد الله قليل، يقول تعالى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ.

السّادس: وصف حكم بغير ما أنزل الله بأنّه حكم الجاهليّة يقول سبحانه أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ.

السّابع: تقرير المعنى العظيم بأنّ حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول عزّ وجلّ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً. الثّامن: إنّ مقتضى اليقين هو العلم بأنّ حكم الله هو خير الأحكام وأكملها وأتمّها وأعدلها وأنّ الواجب الانقياد له مع الرّضا والتّسليم، يقول سبحانه وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

وهذه المعاني الموجودة في آيات كثيرة من القرآن تدلّ عليها أقوال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله فمن ذلك قول الله سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

وقوله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية، وقوله: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وقوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وروي عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به» «١» .

وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعديّ بن حاتم: «أليس يحلّون ما حرّم الله فتحلّونه ويحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم» وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لبعض من جادله في بعض المسائل:

«يوشك أن تنزّل عليكم حجارة من السّماء أقول قال


(١) قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.