للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كثرت خصاله المحمودة وقد سمّي به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم.

والتّحميد: حمدك الله- عزّ وجلّ- مرّة بعد مرّة، وأحمد إليك الله: أشكره إليك، أو معناه: أحمد معك الله أو أشكر إليك نعمه وأحدّثك بها.

والمقام المحمود: المقام الّذي يحمد فيه جميع الخلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف «١» .

[الحمد اصطلاحا:]

قال الجرجانيّ: الحمد: هو الثّناء على الجميل من جهة التّعظيم من نعمة وغيرها

وقال ابن القيّم: الحمد: إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه.

وقال الرّاغب: الحمد لله تعالى: هو الثّناء عليه بالفضيلة «٢» .

[الفرق بين الحمد والمدح والشكر والثناء:]

الحمد: أخصّ من المدح وأعمّ من الشّكر؛ فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره وممّا يكون منه وفيه بالتّسخير. فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه: كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه، والمدح يكون في الثّاني دون الأوّل، والشّكر لا يقال إلّا في مقابلة نعمة: فكلّ شكر حمد وليس كلّ حمد شكرا، وكلّ حمد مدح وليس كلّ مدح حمدا «٣» .

وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إنّ كلّ واحد من المدح والحمد يتضمّن العلم بما يحمد به غيره ويمدحه فلا يكون مادحا ولا حامدا من لم يعرف صفات المحمود والممدوح فإن تجرّد عن العلم كان كلاما بغير علم، فإن طابق فصدق وإلّا فكذب. وقد جاء في السّنّة ما هو أخصّ من الحمد وهو الثّناء الّذي هو تكرار المحامد كما في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأهل قباء:

«ما هذا الطّهور الّذي أثنى الله عليكم به» فإذا كان قد أثنى عليهم والثّناء حمد متكرّر فما يمنع حمده لمن شاء من عباده؟ ثمّ الصّحيح في تسمية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محمّدا أنّه الّذي يحمده الله وملائكته وعباده المؤمنون وأمّا من قال الّذي يحمده أهل السّماوات وأهل الأرض فلا ينافي حمد الله تعالى بل حمد أهل السّماوات والأرض له بعد حمد الله له فلمّا حمده الله حمده أهل السّماوات والأرض، وبالجملة، فإذا كان الحمد ثناء خاصّا على المحمود لم يمتنع أن يحمد الله من يشاء من خلقه كما يثني عليه فالصّواب في الفرق بين الحمد والمدح أن يقال: الإخبار عن محاسن الغير إمّا أن يكون إخبارا مجرّدا من حبّ وإرادة أو مقرونا بحبّه وإرادته: فإن كان الأوّل فهو المدح، وإن كان الثّاني فهو الحمد، فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه، ولهذا كان خبرا يتضمّن الإنشاء بخلاف المدح؛ فإنّه خبر مجرّد، فالقائل إذا قال: الحمد لله أو قال ربّنا لك الحمد؛ تضمّن كلامه الخبر عن كلّ ما يحمد عليه تعالى باسم جامع محيط متضمّن لكلّ فرد من أفراد الحمد المحقّقة والمقدّرة. وذلك يستلزم إثبات كلّ كمال


(١) لسان العرب (٣/ ١٥٥- ١٥٨) ط. بيروت.
(٢) كتاب التعريفات (٩٣) ، وبدائع الفوائد (٢/ ٩٣) ، والمفردات (١٣١) .
(٣) المفردات للراغب (١٣١) ، وبصائر ذوي التمييز (٢/ ٤٩٩) .