للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ ١٨٦) .

ولهذا نزلت هذه الآية جوابا للصّحابة- رضي الله عنهم- عند ما سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ربّنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟» «١» .

والثّاني: قربه من عابده بالإثابة، وشاهده قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد، وأقرب ما يكون الرّبّ من عبده وهو في جوف اللّيل» .

وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرّبّ لخلقه، واستواءه على عرشه إذ هو ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

ومن ذلك على سبيل المثال أنّ أهل السّنّة وهم أولياء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحبّاؤه، الّذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم وأحبّ إليهم منها، يجدون نفوسهم أقرب إليه، وهم في الأقطار النّائية عنه من بعض جيران حجرته في المدينة (المنوّرة) «٢» .

[الحياء أصل لكل خير:]

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصّة الإنسانيّة، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانيّة إلّا اللّحم والدّم وصورتهما الظّاهرة، كما أنّه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضّيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤدّ أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرّى الرّجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة. وكثير من النّاس لولا الحياء الّذي فيه لم يؤدّ شيئا من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقّا، ولم يصل له رحما، ولا برّ له والدا؛ فإنّ الباعث على هذه الأفعال إمّا دينيّ، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإمّا دنيويّ علويّ، وهو حياء فاعلها من الخلق. فقد تبيّن أنّه لولا الحياء إمّا من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها. ثمّ قال- رحمه الله-: إنّ للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كلّ ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطّبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره، أطاع آمر الهوى والشّهوة ولا بدّ «٣» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان العفة- غض البصر- المراقبة- حفظ الفرج- حسن الخلق.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الكبر والعجب- الغرور- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- إطلاق البصر- سوء الخلق- التفريط والإفراط] .


(١) هذا أحد الأقوال في سبب نزول الآية وهناك أقوال أخرى عديدة انظرها في تفسير القرطبي (٢/ ٣٠٨) ، والقرب بالإجابة أيضا أحد ثلاثة أقوال أوردها القرطبي أمّا الثّاني فهو القرب بالعلم، والثالث قربه سبحانه من أوليائه بالإفضال والإنعام.
(٢) باختصار وتصرف عن مدارج السالكين (٢/ ٢٧٥- ٢٧٩) .
(٣) مختصر من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم (٢٧٧) .