للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآبناء.

إن هذا يستدعي- أولا- أن يتمثل الآباء والأمهات القيم الإسلامية، ويستعينوا بالحكمة والأناة والصبر، فالتربية لا تأتي بين يوم وليلة، وإنما بمجاهدة الأيام والليالي، وليس لسياسة الزجر والعنف، لأنها تدفع بالطفل إلى التطلع للممنوع، وإشباع حاجاته من هذا الممنوع، بالتمرد على توجيه الأبوين، أو بالظهور بمظهر الخضوع الكاذب ... وربما انتهى الأمر إلى ازدواج في شخصية الناشيء، مما يؤدي في النهاية إلى أن يصبح منافقا، وهو المرض الفردي الاجتماعي الذي نشكو منه مر الشكوى «١» .

ولعلنا نعود هنا إلى ما سبق أن ذكرناه عن القدوة وما تتطلبه من الشفقة والرحمة. وقد أدرك ابن خلدون- وغيره- خطورة هذا، فقال: «ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين» «٢» .

إن الأسرة المسلمة يجب عليها أن تتخلص من قيم الضعف وما يسودها من ضعف وقيم لا تنتمي لقيم الإسلام الصحيحة، وإذا كان لنا أن نبني مجتمعا مسلما على قيم الإسلام الصحيحة، فلا بد من تغيير قيم الأسرة وما يسودها من قيم ضعف وهوان تجاه القيم الإسلامية الصحيحة، في بنائها وفي تربية أبنائها، وهذا هو أساس التغيير الصحيح نحو القيم الإسلامية، إن عين الطفل وسمعه يجب ألا يقعا إلا على سلوك صحيح مترجم عن واقع صحيح وقيم سليمة، ولذا فإن المطلوب من الوالدين أن يكونا فعلا قدوة صالحة، ليتلقى الطفل منهما مباشرة وبدون مباشرة ما يؤكد ذاتيته واستقلاله في إطار التصور الإسلامي الصحيح.

وينبغي أن تكون سياسة الأسرة قائمة على التفتح واختيار الجيد، والبعد عن سياسة الانغلاق والحرمان وإيصاد الأبواب، والاعتماد على تكوين الحس الإسلامي في نفوس الأطفال، وبالتدرج وإنضاج القدرة على الاختيار الجيد، والبعد عن السفاسف والرذائل.


(١) أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص ٢٠٦، ٢٠٧.
(٢) ابن خلدون، المقدمة، الجزء الثاني، المدينة المنورة، مكتبة ودار المدينة المنورة للنشر والتوزيع، ١٩٨٤ م، ص ٧٠٤.