للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبيثة» «١» .

وطبقا لهذه التوجيهات العامة، فإن اختيار الرفاق، وتوجيه الأبناء نحو اختيارهم صالحين، أمر واجب، والأساس في ذلك كله هو تنشئة الأطفال في أحضان الأسرة تنشئه صحيحة وسليمة وقويمة، وإذا ما عمت تلك التنشئة أسر المسلمين كانت جماعة الرفاق على نفس الدرجة من الصلاح، فلا يكتسب الناشىء إلا قيما صالحة، ويدعم هذا الوسط الاجتماعي العام والذي بقدر ما يكون صالحا يكون الأفراد كذلك، ومن ثم يعم الصلاح جماعة الرفاق وغيرها.

إن من الواجب مساعدة الناشىء على اختيار جماعته، لأنها تساعده على تحقيق استقلاليته على نحو تدريجي، كما تنمي لديه مفهومه عن ذاته، وتدعم القيم الصالحة «٢» . لأن ميل الأطفال إلى اختيار الأقران وتقبل قيم الآخرين واتجاهاتهم النفسية يعتبر متغيرا من متغيرات الشخصية كما دلت على ذلك دراسات علمية متنوعة «٣» .

وقد أدرك المربون المسلمون قيمة هذه الصحبة، ولهم في ذلك اجتهادات وأقوال قيمة، يقول الجاحظ:

«الصبي عن الصبي أفهم وبه أشكل» «٤» .

إن حرص الإسلام والمفكرين المسلمين على سلامة البيئة الاجتماعية، وعلى إشباع حاجات الطفل إلى جماعة الرفاق والأتراب واضح، ومن خلال كل هذا نعود فنؤكد أهمية المحافظة على الوسط الاجتماعي حتى لا يتسرب الفساد أو الخلل للناشئة، لتنمو القيم الإسلامية نموا سليما وصحيحا وقويا.

ج- المسجد:

كان المسجد وما يزال شعار الحياة في المجتمع الإسلامي، ويدل على ذلك اهتمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم ببناء المسجد أول قدومه إلى المدينة، مما يدل دلالة صادقة على أهميته وضرورته، ولم يكن المسجد بناية لأداء الصلاة فقط، بل كانت له وظائف أخرى كثيرة تتعلق بسياسة الدولة، وفي هذا إشارة إلى أن المسجد إنما أقيم كمؤسسة محققة لأهداف الإسلام ورعاية مصالح الدنيا والآخرة، فقد كان مقرا للتعليم لاستقبال الوفود واقامة الاحتفالات


(١) متفق عليه. من رواية أبي موسى الأشعري، المرجع السابق، ص ٣٧٨، حديث رقم ٣٨٩٥.
(٢) كافية رمضان، فيولا البيلاوي، ثقافة الطفل، الكويت، كلية التربية، ١٩٨٣ م، ص ٢٢٨، ٢٢٩.
(٣) انظر: كونجر وآخرون، سيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة أحمد عبد العزيز سلامة وجابر عبد الحميد، القاهرة، دار النهضة العربية، ١٩٨٥ م، ص ٤٨٢.
(٤) أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ، كتاب المعلمين، (على هامش الكامل في اللغة والأدب للمبرد) ، الطبعة الأولى، الجزء الأول، مصر، مطبعة التقدم، ١٣٢٣، ص ٢٦. وانظر: ابن سينا، السياسة (نشرة الأب لويس معلوف) مجلة المشرق البيروتية، السنة التاسعة، الأعداد، ٢١، ٢٣، ١٩٠٦، ص ١٠٧٤، ١٠٧٥.