للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَقاراً (نوح/ ١٣) . أي ما لكم لا تخافون. ومنه:

إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (النبأ/ ٢٧) وقوله:

مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ (العنكبوت/ ٥) .

الثّاني: بمعنى الطّمع: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ (الإسراء: ٥٧) أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ (البقرة/ ٢١٨) .

الثّالث: بمعنى توقّع الثّواب: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (فاطر/ ٢٩) .

الرّابع: الرّجا المقصور بمعنى الطّرف: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها (الحاقة/ ١٧) .

الخامس: الرّجاء المهموز: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ (الأعراف/ ١١١) أي احبسه.

السّادس: بمعنى التّرك والتّأخير: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ (الأحزاب/ ٥١) : تؤخّر، وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ (التوبة/ ١٠٦) «١» .

[حقيقة الرجاء:]

قال ابن القيّم- رحمه الله-: الرّجاء هو عبوديّة، وتعلّق بالله من حيث اسمه: البرّ المحسن فذلك التّعلّق والتّعبّد بهذا الاسم، والمعرفة بالله: هو الّذي أوجب للعبد الرّجاء من حيث يدري ومن حيث لا يدري. فقوّة الرّجاء على حسب قوّة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه ولولا روح الرّجاء لعطّلت عبوديّة القلب والجوارح، وهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. بل لولا روح الرّجاء لما تحرّكت الجوارح بالطّاعة. ولولا ريحه الطّيّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات. ولي من الأبيات:

لولا التّعلّق بالرّجاء تقطّعت ... نفس المحبّ تحسّرا وتمزّقا

لولا الرّجا يحدو المطيّ لما سرت ... بحمولها لديارهم ترجو اللّقا

فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة، فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء. وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه، ولكنّ خوف المحبّ لا يصحبه وحشة. بخلاف خوف المسيء. ورجاء المحبّ لا يصحبه علّة، بخلاف رجاء الأجير، وأين رجاء المحبّ من رجاء الأجير وبينهما كما بين حاليهما؟ «٢» .

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: المقصود من الرّجاء أنّ من وقع منه تقصير فليحسن ظنّه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأمّا من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور. وما أحسن قول أبي عثمان الجيزيّ: من علامة السّعادة أن تطيع، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشّقاء أن تعصي، وترجو أن تنجو «٣» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- الضراعة والتضرع- حسن الظن- الخوف- الرغبة- الدعاء- العبادة- الرهبة- الاستغاثة- الابتهال- الإنابة- التوبة- القنوت- تذكر الموت.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- سوء الظن- الغرور- التفريط والإفراط- اليأس- اتباع الهوى القنوط- الغفلة- القلق- الكبر والعجب- الجزع] .


(١) بصائر ذوي التمييز (٣/ ٥٠) .
(٢) انظر مدارج السالكين: (١/ ٤٣- ٤٤) .
(٣) انظر فتح الباري لابن حجر (١١/ ٣٠١) .