للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد شاء المولى أن أسمي هذه الموسوعة بهذا الاسم «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم» لما يحدث التحلي بأخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، عامة والدعوة إلى الله تعالى بصفة خاصة، من نضرة في الوجه يتجلى نورها على الإنسان فينشرح صدره وتطيب نفسه ويناله نصيب من دعائه صلّى الله عليه وسلّم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها» «١» ، وقد أمرنا بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الآخر فقال: «بلغوا عني ولو آية» «٢» .

إن نضرة الوجه في الدنيا ليست وحدها هي غاية المسلم أو الداعية، وإنما الغاية الأعظم هي التمتع بهذه «النضرة» في نعيم الآخرة أيضا، يقول الله تعالى:

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ «٣» .

من تأمّل هذه الآيات الكريمة يتضح الارتباط بين «البر» وبين «نضرة النعيم» من حيث إن الأبرار هم الذين تعرف النضرة في وجوههم في جنة النعيم، والبر قد عرّفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» «٤» . هي إذن موسوعة «البر» وموسوعة «حسن الخلق» في آن واحد.

إن هذا الخلق الحسن، أو الخلق العظيم الذي كانت حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم تجسيدا له لابد وأن يتحلّى به كل مسلم يريد أن يحيا حياته متأسيا بالرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، استجابة لقوله تعالى:

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً «٥» .

وبذلك تكون هذه الموسوعة هي أيضا موسوعة الحياة التي يبتغى بها وجه الله والدار الآخرة.

إن الواجب على كل مسلم يتأسى برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويتحلى بهذه الأخلاق الحميدة، أن يتخلى عن الأخلاق السيئة فينتهي عما نهى الله عنه وعما حث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على؟ تركه من ذميم الأخلاق وسيء الخصال، ومن هنا كان حرصنا على أن تتضمن هذه الموسوعة الأمرين معا: ما أمر به ونهي عنه في الكتاب والسنة، لقوله عز وجل:

وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «٦» . وما كان الأمر كذلك إلا لأن القلب أو النفس يتنازعهما دائما وازع الخير (من الله تعالى) بما أودعه من فطرة وأمده من حفظ الملائكة، ووازع الشر (من الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء) ، ولكي يتحلى الإنسان بالفضيلة فلا بد أن يتخلى عن الرذيلة، ولكل جزاؤه المحدد في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «٧» .


(١) سنن الترمذي، حديث رقم ٢٦٢٨، وانظر صفة الدعوة إلى الله ج ٥، ص ١٩٥٧.
(٢) البخاري- الفتح، حديث رقم ٣٤٦١، وانظر ج ٥، ص ١٩٥٥ من هذه الموسوعة.
(٣) المطففين/ ٢٢- ٢٤.
(٤) رواه مسلم، حديث رقم (٢٥٥٣) ، وانظر صفة البر من هذه الموسوعة.
(٥) الأحزاب/ ٢١.
(٦) الحشر/ ٧.
(٧) الزلزلة/ ٧- ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>