للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا غفرت له ذنوبه» . قال- رحمه الله-: هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدّين، وإليهما ينتهي. وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وألوهيّته. والرّضا برسوله، والانقياد له، والرّضا بدينه والتّسليم له.

ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصّدّيق حقّا.

وهي سهلة بالدّعوى واللّسان، وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان. ولا سيّما إذا جاء ما يخالف هوى النّفس ومرادها، من ذلك تبيّن «١» أنّ الرّضا كان لسانه به ناطقا. فهو على لسانه لا على حاله.

فالرّضا بإلهيّته يتضمّن الرّضا بمحبّته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتّبتّل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحبّ كلّها إليه، فعل الرّاضي بمحبوبه كلّ الرّضا. وذلك يتضمّن عبادته والإخلاص له، والرّضا بربوبيّته يتضمّن الرّضا بتدبيره لعبده. ويتضمّن إفراده بالتّوكّل عليه، وبالاستعانة به والثّقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكلّ ما يفعل به. فالأوّل: يتضمّن رضاه بما يؤمر به. والثّاني: يتضمّن رضاه بما يقدّره عليه.

وأمّا الرّضا بنبيّه رسولا فيتضمّن كمال الانقياد له، والتّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقّى الهدى إلّا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلّا إليه، ولا يحكّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتّة. لا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلّا بحكمه.

فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطّرّ إذا لم يجد ما يقيته إلّا من الميتة والدّم. وأحسن أحواله:

أن يكون من باب التّراب الّذي إنّما يتيمّم به عند العجز عن استعمال الماء الطّهور.

وأمّا الرّضا بدينه: فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى، رضي كلّ الرّضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلّم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلّده وشيخه وطائفته «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- السرور- الصبر والمصابرة- اليقين- السماحة- القناعة- الزهد.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: السخط- الجزع- القلق- الغضب- الحسد- الحقد- الغل] .


(١) هكذا في الأصل ولعلّ المراد: ومن تبيّن أنّ الرّضا.
(٢) مدارج السالكين لابن القيم (٢/ ١٧٩، ١٨٠) وراجع: بصائر ذوى التمييز (٣/ ٧٩- ٨١) .