للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الكتب الستة وفي مقدمتها صحيحا البخاري ومسلم. ولا بد من ملاحظة أن السيرة تستقي من كتب أسباب النزول والناسخ والمنسوخ في القرآن، وكتب التفسير وخصوصا تفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، ذلك أن التفسيرين يسوقان الروايات بالأسانيد مما يخدم توثيق النصوص عن طريق المتابعات والشواهد ومعرفة اختلاف المخارج بالنسبة للمراسيل «١» .

وتبين كتب الدلائل صدق معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأقدم من أفردها عن كتب الحديث محمد بن يوسف الفريابي (ت ٢١٢ هـ/ ٨٢٧ م) «٢» في كتابه «دلائل النبوة» «٣» . أما كتب الشمائل فتتناول أخلاق وآداب وصفات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأقدم من أفردها أبو البختري وهب الأسدي (ت ٢٠٠ هـ/ ٨١٥ م) «٤» .

وتأتي كتب السيرة النبوية والمغازي، ضمن المصادر المهمة، وقد ظهر عدد كبير من هذه الكتب خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، ونشير من بين رجال القرن الأول إلى عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وأبان بن عثمان بن عفان. ومن رجال القرن الثاني إلى ما كتبه موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومعمر بن راشد، والزهري. أما في القرن الثالث الهجري فقد برز محمد بن عمر الواقدي، وعبد الرزاق بن همّام الصنعاني، وعمر بن شبّة بن عبيد. ولا يمكن أن نغفل المجلدين الأولين من كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد وهما في السيرة النبوية «٥» . وتمتاز كتب السيرة المتخصصة بسهولة العرض، وتتابع الأحداث التاريخية واتصالها، ومراعاة التتابع التاريخي في سردها، كما أنها تقدم وصفا مفصلا للأحداث بحكم تخصصها، ومع أن أغلب كتب المغازي والسير الأولى لا يزال مفقودا فإن ما أمكن رصده منها في المصادر المتأخرة يعكس مفردات الهيكل العام للمؤلّف، وأساليب المؤلفين ومستوى الدقة التي يتمتع بها كل منهم.

ويعتبر كتاب السيرة النبوية الذي هذّبه ابن هشام عن سيرة ابن إسحاق من أوثق كتب السيرة المتخصصة، وعلى الرغم من موقف علماء مدرسة المدينة من ابن إسحاق، وما ذكره النقّاد المحدثون عنه من تساهل في الإسناد، وقبول مرويات الإخباريين ووجود المناكير والعجائب في رواياته، وما في أصل سيرته من الشّعر المنتحل، فإنه اعتمد عند الحافظ الذهبي حجة في المغازي. وقد قبل من أحاديثه في أمور العقيدة والشريعة ما صرّح فيها بالتحديث ولم يدلس، ما لم يخالف من هو أوثق منه، واعتبرها في مرتبة «الحسن» الذي يحتج به. وقد اطلعت على نسخة فريدة كاملة من السيرة الواسطية، فلم أجد فيها ما يزيد على ما ورد في تهذيب السيرة لابن هشام إلا ما اتصل بالمرويات الخاصة بالعصر الجاهلي، وثبت لدي أنهما يصدران عن مصدر واحد.


(١) أكرم العمري- السيرة الصحيحة ١/ ٥٠- ٥١.
(٢) الألباني- فهرست مخطوطات الظاهرية/ ٣٧٣.
(٣) أورد العمري في السيرة الصحيحة ١/ ٥١- ٥٢ ذكرا لأحد عشر كتابا في الدلائل.
(٤) ذكرت المصادر تسعة كتب في «الشمائل» باستثناء من خرّج الأحاديث ومن شرحها من العلماء، المرجع السابق ١/ ٥٢- ٥٣، وانظر ابن النديم- الفهرست ص/ ٢٧٢. (تحقيق: رضا تجدد المازندراني، (طهران ١٣٩١ هـ/ ١٩٧١ م) ..
(٥) الدوري- بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب ص/ ١٣٧- ٢١٤.