للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاجتهاد المنوط بالشّهود، وتصون السّالك عن الفترة والكسل.

وتتصاعد الرّغبة حتّى تكون رغبة لا تبقي من المجهود مبذولا، ولا تدع للهمّة ذبولا، ولا تترك غير القصد مأمولا.

فرغبته لا تدع من مجهوده مقدورا له إلّا بذله ولا تدع لهمّته وعزيمته فتورا ولا خمودا، وعزيمته في مزيد، ولا تترك في قلبه نصيبا لغير مقصوده.

فإذا اكتملت رغبته اكتمل معها خلق الرّعاية الإيمانيّة، وهي: مراعاة العلم وحفظه بالعمل، ومراعاة العمل بالإحسان والإخلاص، وحفظه من المفسدات وصيانته «١» .

التّرغيب:

أمّا التّرغيب فهو مصدر قولهم: رغّبه في الشّيء أي أوجد فيه الرّغبة إليه، ويكون ذلك بتحسينه وتزيينه، لأنّ النّفس لا ترغب إلّا فيما فيه سعادتها وصلاح أمرها، وما جاء به الشّرع الحنيف كلّه- بعد الإقرار بالوحدانية وصدق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم- لا يعدو أن يكون ترغيبا في الخيرات وترهيبا من المعاصي والموبقات، وثمرة ذلك حثّ المؤمن على الرّغبة فيما عند الله تعالى والرّهبة من عقابه، وقد لخّص أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عند موته حياة المؤمن الحقّ، عند ما قالوا له: جزاك الله خيرا فعلت وفعلت، فقال: راغب وراهب قال ابن الأثير:

المعنى: راغب فيما عند الله وراهب من عذابه» «٢» .

التّرغيب في الجنّة ونعيمها:

لقد حفلت آي الذّكر الحكيم، ووردت الأحاديث الشّريفة بوصف الجنّة وما أعدّه الله فيها للمتّقين جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (النبأ/ ٣٦) ، ترغيبا للمؤمنين وحثّا لهم على الطّاعات وتحمّل مشاقّ العبادة، ذلك أنّ الإنسان إذا علم أنّ الله قد أعدّ له دارا فيها كلّ ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ (التوبة/ ٧٢) ، تولّدت عنده الرّغبة الصّادقة في أن يكون من أهل هذه الجنّة وسعى لها سعيها فكان من المتّقين، ومن المحسنين، ومن الذّاكرين ومن المخبتين، ومن المنفقين، ومن الأوّابين المنيبين الّذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة/ ١٦) ، وسوف نذكر عقب آيات وأحاديث الرّغبة، طرفا ممّا رغّب الله به عباده في الطّاعة بذكر الآيات والأحاديث الواردة في وصف الجنّة ونعيمها وما أعدّه الله فيها لأهل طاعته.

[للاستزادة: انظر صفات: الطموح- العبادة علو الهمة- النشاط- الرهبة- الإخبات- الدعاء الإنابة- الخوف- القنوت- الطاعة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- الكسل- القنوط- اليأس- الوهن- الغرور- الغفلة- التفريط والإفراط] .


(١) تهذيب مدارج السالكين (٣٠٧) .
(٢) هذا أحد قولين في تفسير عبارة أمير المؤمنين، والقول الآخر أن من قال هذا إما راغب فيما عندي أو راهب مني، والرأي الأول أصح، انظر النهاية ٢/ ٢٣٧.