للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرّفق واللّين نتيجة حسن الخلق والسّلامة، وقد يكون سبب الحدّة الغضب وقد يكون سببها شدّة الحرص واستيلاؤه بحيث يدهش عن التّفكّر ويمنع من التّثبّت فالرّفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلّا حسن الخلق، ولا يحسّن الخلق إلّا بضبط قوّة الغضب وقوّة الشّهوة وحفظهما على حدّ الاعتدال. ولأجل هذا أثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرّفق وبالغ فيه، قال سفيان الثّوريّ لأصحابه: «تدرون ما الرّفق؟» . قالوا: قل يا أبا محمّد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشّدّة في موضعها واللّين في موضعه والسّيف في موضعه والسّوط في موضعه. وهذه إشارة إلى أنّه لا بدّ من مزج الغلظة باللّين والفظاظة بالرّفق، كما قيل:

ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا ... مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى.

فالمحمود وسط بين العنف واللّين كما في سائر الأخلاق، ولكن لمّا كانت الطّباع إلى العنف والحدّة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرّفق أكثر، فلذلك كثر ثناء الشّرع على جانب الرّفق دون العنف «١» .

وقال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: ومن أسمائه تعالى:" الرّفيق" في أفعاله وشرعه. ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئا بعد شيء وجريانها على وجه السّداد واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارا ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم وأسرار لا تحيط بها العقول، وهو تعالى يحبّ من عباده أهل الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف. والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقا في أموره متأنّيا، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الرأفة- الشفقة- العطف الحنان- حسن الخلق- اللين.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- العنف- القسوة- الجفاء- التعسير- الإساءة- سوء الخلق] .

() الآيات في «الرفق» معنى

١- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) «٣»

٢- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣)

فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) »


(١) إحياء علوم الدين، للغزالي (٣/ ١٨٤- ١٨٥) .
(٢) توضيح الكافية الشافية (١٢٣) .
(٣) آل عمران: ١٥٩ مدنية
(٤) طه: ٤٣- ٤٤ مكية