للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعجز ويقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال، ولا صبره عن ترك الحرام «١» ، وفلان يتزهّد: أي يتعبّد «٢» .

[واصطلاحا:]

قيل: هو بغض الدّنيا والإعراض عنها، وقيل:

هو ترك راحة الدّنيا طلبا لراحة الآخرة، وقيل: هو أن يخلو قلبك ممّا خلت منه يدك «٣» .

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الزّهد المشروع:

هو ترك الرّغبة فيما لا ينفع في الدّار الآخرة، وهو فضول المباح الّتي لا يستعان بها على طاعة الله، كما أنّ الورع المشروع: هو ترك ما قد يضرّ في الدّار الآخرة.

وهو ترك المحرّمات والشّبهات الّتي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها، كالواجبات، فأمّا ما ينفع في الدّار الآخرة، فالزّهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ ٨٧) . كما أنّ الاشتغال بفضول المباحات، هو ضدّ الزّهد المشروع، فإن اشتغل بها عن فعل واجب أو فعل محرّم كان عاصيا، وإلّا كان منقوصا عن درجة المقرّبين إلى درجة المقتصدين «٤» .

وقال ابن الجوزيّ: الزّهد: عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه، وشرط المرغوب عنه أن يكون مرغوبا بوجه من الوجوه، فمن رغب عن شيء ليس مرغوبا فيه، ولا مطلوبا في نفسه لم يسمّ زاهدا. كمن ترك التّراب لا يسمّى زاهدا وإنّه ليس الزّهد ترك المال وبذله على سبيل السّخاء والقوّة واستمالة القلوب فحسب، بل الزّهد أن يترك الدّنيا للعلم بحقارتها بالنّسبة إلى نفاسة الآخرة «٥» .

وقال ابن القيّم: إنّ الزّهد سفر القلب من وطن الدّنيا، وأخذه في منازل الآخرة. وعلى هذا صنّف المتقدّمون كتب الزّهد، كالزّهد لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهنّاد بن السّريّ، ولغيرهم.

ومتعلّقه ستّة أشياء لا يستحقّ العبد اسم الزّهد حتّى يزهد فيها: وهي المال، والصّور، والرّياسة، والنّاس، والنّفس، وكلّ ما دون الله.

وليس المراد رفضها من الملك، فقد كان سليمان وداود- عليهما السّلام- من أزهد أهل زمانهما. ولهما من المال والملك والنّساء مالهما. وكان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من أزهد البشر على الإطلاق. وله تسع نسوة، وكان عليّ بن أبي طالب، وعبد الرّحمن بن عوف، والزّبير وعثمان- رضي الله عنهم- من الزّهّاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير «٦» .

[حقيقة الزهد:]

وقال الإمام الغزاليّ: الزّهد هو عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه.

وكلّ من عدل عن شيء إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنّما عدل عنه لرغبته عنه، وإنّما عدل إلى


(١) لسان العرب (٣/ ١٩٧) .
(٢) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(٣) التعريفات للجرجانى (١١٥) .
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (مج ١٠ ص ٢١) .
(٥) مختصر منهاج القاصدين (٣٢٤) بتصرف.
(٦) مدارج السالكين (٢/ ١٣، ١٤) .