للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخر: في معنى التّسامح مع الغير في المعاملات المختلفة ويكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها الّتي تتجلّى في التّيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين الّتي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم أو مع غيرهم من أصحاب الدّيانات الأخرى.

[سماحة نفس المسلم:]

من طبيعة النّفس السمحة أن يكون صاحبها هيّنا ليّنا يتقبّل ما يجري به القضاء والقدر بالرّضا والتّسليم، ويحاول أن يجد لكلّ ما يجري به ذلك حكمة مرضية وإن كان مخالفا لهواه ويراقب دائما قول الله تعالى: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (النساء/ ١٩) ، وهو من أجل ذلك يستقبل كلّ ما يأتيه من قبل الله عزّ وجلّ بغاية الرّضا، ويلاحظ جوانب الخير في كلّ ما تجري به المقادير، وهو لذلك يترقّب المستقبل بتفاؤل وأمل كما يستقبل الواقع بانشراح لما يحبّ وإغضاء عمّا يكره وبذلك يسعد نفسه ويريح قلبه، وهذا من كمال العقل، لأنّ العاقل هو الشّخص الواقعيّ أي الّذي يسعد نفسه وقلبه بالواقع الّذي لا يملك دفعه أو رفعه، ويعامل النّاس بالتّسامح لأنّه لا يملك أن يطوّع النّاس جميعا لما يريد لأنّهم مثله ذوي طبائع متباينة وإرادات مختلفة «١» .

[من ظواهر سماحة النفس:]

لسماحة النّفس مظاهر عديدة أشار إلى أهمّها صاحب الأخلاق الإسلامية ومنها:

أوّلا: طلاقة الوجه واستقبال النّاس بالبشر «٢» .

ثانيا: مبادرة النّاس بالتّحيّة والسّلام والمصافحة وحسن المحادثة «٣» لأنّ من كان سمح النّفس بادر إلى ذلك.

ثالثا: حسن المصاحبة والمعاشرة والتّغاضي عن الهفوات «٤» ، لأنّ من كان سمح النّفس كان حسن المصاحبة لإخوانه ولأهله ولأولاده ولخدمه ولكلّ من يخالطه أو يرعاه «٥» .

[وسائل اكتساب سماحة النفس:]

من الوسائل النّاجعة لاكتساب هذا الخلق الحميد ما يلي:

١- التّأمّل في التّرغيبات الّتي رغّب الله بها من يتحلّى بهذا الخلق، وتأمّل الفوائد الّتي يجنيها سمح النّفس في العاجل والآجل.

٢- التّأمّل في المحاذير الّتي يقع فيها نكد النّفس، وما يجلبه ذلك من مضارّ ومتاعب وخسائر مادّيّة ومعنويّة.

٣- الاقتناع الإيماني بسلطان القضاء والقدر،


(١) باختصار وتصرف عن الأخلاق الإسلامية لحبنكة الميداني (٢/ ٤٥٧- ٤٥٩) .
(٢) انظر صفة «طلاقة الوجه» ، حيث ذكرنا الأحاديث والآثار الدالة على ذلك.
(٣) انظر صفة «إفشاء السلام» و «الكلم الطيب» في هذه الموسوعة.
(٤) انظر صفتي «حسن العشرة» و «حسن المعاملة» ، حيث بسطنا القول في هذه المظاهر.
(٥) بتصرف واختصار عن الأخلاق الإسلامية للميداني (٢/ ٤٦٣- ٤٧١) .