للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «١» : اللهمّ أبغني «٢» حبيبا، هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «٣» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسّه «٤» ، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «٥» فاضطجعت في أصلها. قال:

فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي:

يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «٦» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود.

فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «٧» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «٨» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «٩» . في سبعين من المشركين.

فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «١٠» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ ٢٤) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة:

فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة.

فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «١١» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة.


(١) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي إنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(٢) أبغني: أي أعطني.
(٣) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(٤) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(٥) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(٦) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(٧) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة.
(٨) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات: العبلات من قريش، يقال لهم أميّة الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. ترده إلى الواحد.
(٩) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(١٠) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(١١) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.